المطلب الثاني: أهمية التفكر في آيات الله الكونية
إن المتأمل في أحوالنا اليوم وأحوال الناس بعامة - لا أقول الكفار منهم بل الكثير من المسلمين - يرى البعد الشديد عن التفكير الصحيح النافع الذي يقود صاحبه إلى الخير في الدنيا والآخرة، وإنما نجد أن جل التفكير وقوته وكثافته قد وجه في ما لا ينفع في الآخرة؛ بل فيما يضر صاحبه هنالك من التفكير في شهوات محرمة أو في خواطر وشبهات وأماني باطلة ورديئة.
والموفق من وفقه الله -عز وجل- فصرف فكره وهمه في معرفة ربه سبحانه، وذكره وشكره وعبادته، والاستعداد للقائه في الدار الآخرة.
فالتفكر في خلق الله تعالى يزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكراً وتأملاً في خلق الله، وأكثر علماً بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (١).
ولهذا كان السلف الصالح على جانب عظيم من هذا الأمر فكانوا يتفكرون في خلق الله ويتدبرون آياته، ويحثون على ذلك، يقول أحدهم: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، ولا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل. ويقول الآخر: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه (٢)؛ بل قد قال بعضهم: أن السفر في طلب العلم يشمل العلم بآيات الله في أرضه، ففي مشاهدتها فوائد للمستبصر (٣).
قال ابن سعدي (٤) -رحمه الله-: " التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين" (٥)؛ ولكن
(٢) إحياء علوم الدين: ٤/ ٥٠٣.
(٣) المصدر السابق: ٢/ ٢٩٥.
(٤) هو العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي، الفقيه الأصولي المفسر، من مؤلفاته: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المعروف بتفسير ابن سعدي، والتوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية، والدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية وغيرها من الكتب. توفي عام ١٣٧٦.
انظر: روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيح محمد بن عثمان القاضي، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط٢: ١/ ٢٢٩، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبد الله البسام، دار العاصمة، الرياض، ط٢: ٣/ ٢١٨.
(٥) تفسير ابن سعدي: ١/ ٢٧٠.