ولذلك نجد أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أعظم عباد الله تفكرا في آيات الله ومخلوقاته، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أكملهم في ذلك حيث كان يتفكر في آيات الله ومخلوقاته.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه بات عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- من آخر الليل فخرج فنظر إلى السماء، ثم تلا هذه الآية في سورة آل عمران قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (١)، ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ ثم قام فصلى» (٢).
قال النووي (٣) -رحمه الله-: " فيه أنه يستحب قراءتها عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر، وإذا تكرر نومه واستيقاظه وخروجه استحب تكريره قراءة هذه الآيات، كما ذكر في الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم" (٤).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالتفكر فيقول: «تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في الله» (٥).
(٢) صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، ط١: كتاب الطهارة، باب السواك: ١/ ٢٢١ برقم (٢٥٦).
(٣) هو أبو زكريا يحيى بن شرف مُري بن حسن بن حسين الحزامي النووي، أحد أعلام الشافعية، من مؤلفاته: المجموع شرح المهذب، شرح صحيح مسلم، رياض الصالحين، توفي عام ٦٧٦.
انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: ٤/ ١٤٧٠، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، دار هجر، القاهرة، ط٢: ٨/ ٣٩٥.
(٤) شرح النووي على صحيح مسلم، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٤٠٧: ٢/ ١٤٥.
(٥) رواه الطبراني في الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، ١٤١٥: ٦/ ٢٥٠ برقم (٦٣١٩)، والبيهقي في شعب الإيمان، تحقيق: عبد العلي حامد، الدار السلفية، بومباي، ط١: ١/ ٣٥٨ برقم (١١٩)، من حديث ابن عمر وقال: " هذا إسناد فيه نظر". قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في إحياء علوم الدين من أخبار- المطبوع مع إحياء علوم الدين-: ٤/ ٥٠٢: قلت: فيه الوازع بن نافع متروك، وأخرجه أبو نعيم في الحلية بالمرفوع منه بإسناد ضعيف ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه أخر أصح منه. أ. هـ. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط٤ - لما ذكر أسانيد الحديث-: ١٩١ برقم (٣٤٢): وأسانيدها ضعيفة؛ لكن اجتماعها يكتسب قوة، والمعنى صحيح. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة ٤/ ٣٩٥ برقم (١٧٨٨): وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي والله أعلم.