على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد» (١).
ولما أراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دخول الشام وعلم أن بها الطاعون، توقف فلم يدخلها، ثم دعا المهاجرين الأولين، فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر -رضي الله عنه- في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-: أفرارا من قدر الله، فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم، نفر من قدر الله، إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه»، قال: فحمد الله عمر ثم انصرف» (٢). ولم يدخل -رضي الله عنه- من باب الطيرة أو التشاؤم، بل من باب عدم إلقاء النفس إلى التهلكة (٣).
رابعاً: مسائل الأسماء والأحكام:
الشهادة:
(٢) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون: ١١٢٣ برقم (٥٧٢٩).
(٣) انظر: فتح الباري: ١٠/ ١٦٢، وشرح النووي على مسلم: ٩٤/ ٢٠٩.