المطلب الثاني: ظهور نار الحجاز
من أشراط الساعة الصغرى ظهور نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببُصرى، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناق الإبل ببصرى» (١)، وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام ٦٥٤ هـ، وكانت ناراً عظيمة أفاض العلماء ممن عاصر ظهورها ومن بعدهم بوصفها.
قال النووي -رحمه الله-: " خرجت في زماننا نار في المدينة سنة أربع وخمسين وست مائة، وكانت نارا عظيمة جدا، من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، وتواتر العلم بها عند جميع أهل الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة" (٢).
ونقل ابن كثير -رحمه الله- أن غير واحد من الأعراب ممن كان بحاضرة بصرى شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وهذه النار مما تواتر العلم بخروجها (٣)، ونقل عن أبي شامة المقدسي (٤): " في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في بعض تلك الأودية طول أربعة فراسخ، وعرض أربعة أميال، تسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وأن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء (٥)، وأنها استمرت شهرا، وقد ضبط ذلك
(٢) شرح النووي على مسلم: ١٨/ ٢٨.
(٣) انظر: البداية والنهاية: ١٧/ ٣٢٩، وشرح النووي على مسلم: ١٨/ ٢٨.
(٤) هو أبو شامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المقرئ النحوي المؤرخ، صاحب التصانيف، ومنها الباعث على إنكار البدع والحوادث، توفي سنة ٦٦٥ هـ. العبر في خبر من غبر لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، مطبعة حكومة الكويت: ٣/ ٣١٢، وشذرات الذهب: ٥/ ٣١٨.
(٥) تيماء: بالفتح، بلدة تقع شمال المدينة النبوية على بعد (٤٢٠) كيلا والتيماء في الأصل: الأرض التي لا ماء فيها. معجم البلدان: ٢/ ٦٧، والمعالم الأثرية في السنة النبوية لمحمد بن محمد حسن شراب، دار القلم، دمشق، ط١: ٧٤.