المطلب الرابع: الآيات الكونية وتثبيت العقيدة
إن العقيدة الصحيحة هي أعظم ما جاءت به الرسل، وكل خير في الدنيا والآخرة متوقف على تحقيقها كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١)، لذا عني الكتاب الكريم والسنة المطهرة بتثبيتها في النفوس بالدلائل والبراهين العقلية والنقلية (٢).
وانتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى بعد أن مكث يبلغ رسالة ربه ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمكة، كانت مهمته الأولى الدعوة إلى العقيدة الصحيحة وتثبيتها، وما يتصل منها بالله سبحانه وتعالى أو التدليل على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ما يتصل منها باليوم الآخر.
ولذلك نجد أن غالب السور المكية تناولت البراهين والأدلة ليقتنع بها ذوو العقول في تثبيت العقيدة.
قال تعالى: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ (٣).
فأقسم الله سبحانه بهاتين الآتين - الضحى والليل- وهذا دليل على قدرة خالقها، وربط بين آيات الكون وبين التأكيد على أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لم يدْعه ربه، ولم يجفوه، بل بين أنه ربه (٤)،
(٢) انظر: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم: في بيان أن القرآن جمع بين الأدلة العقلية والنقلية، والاستدلال بالآيات الكونية على التوحيد وإفراد الله بالعبادة مما فيه تثبيت للمؤمنين: ٢/ ٤٦٠ - ٤٩٤، ٦٨٤، وحماية المجتمع المسلم من الانحراف الفكري د. عبد الله الزايدي، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، العدد (٧٧): ٢٣٩.
(٣) الضحى: ١ - ٥.
(٤) تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٥٨.