المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني المُبهِر أيضا أن البحر قد أُوقد عليه حتى حمي قاعه فأصبح مسجورا ً، وهو كذلك من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المُتأخِّرة من القرن العشرين، والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا ً، وهذا ما نفصله في الأسطر التالية:
أولا ً: " ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ (١) بمعنى المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة "...
ثم ذكر دورة تكوّن مياه الأرض، ثم قال: "هذه الدورة المُحكَمة للمياه حول الأرض أدَّت إلى خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها، وإبقاء أقله على اليابسة، وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات، وبقيت نسبة ضئيلة على هيئة ماء عذب على اليابسة".
ثم ذكر: "أن الجليد المُتجمِّع فوق قطبي الأرض وفي قمم الجبال المُرتفِعة فوق سطحها إذا انصهر، وهذا لا يحتاج إلا إلى مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية، وإذا حدث ذلك فإن كم الماء الناتج سوف يؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات إلى أكثر من مائة متر، فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان والمُمتدَّة حول شواطئ تلك البحار والمحيطات ".
ثم قال: "من هنا كان تفسير القسم القرآني بـ ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ بأن الله -تعالى- يمن علينا- وهو صاحب الفضل والمنة- بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات، وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان على اليابسة منذ خلق الإنسان، وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات مُتعدِّدة أهمها ذلك السُمْك الهائل من الجليد المُتجمِّع فوق قطبي الأرض وعلى قمم الجبال، والذي يصل إلى أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي، وإلى ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي، ولولا ذلك لغطى ماء الأرض أغلب سطحها، ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية، والحيوانية، والنباتية، وهي إحدى آيات الله البالغة في الأرض، وفي إعدادها لكي تكون صالحة للعمران ".

(١) الطور: ٦.


الصفحة التالية
Icon