ووضع جبهة في رأس مدور على التراب؛ فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان ومن الأمم من يركع ولا يسجد، وذلك سجودها كما قال تعالى: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ (١)، وإنما قيل ادخلوه ركعا. ومنهم من يسجد على جنب كاليهود، فالسجود اسم جنس ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين صار كثير من الناس يظن أن هذا هو سجود كل أحد" (٢).
وقال ابن القيم -رحمه الله- في الرد على من قال أن تسبيح الشجر وورقه هو دلالته على صانعه فقط، بعد أن بين الحكمة في خلقها وأنها ساجدة لله مسبحة بحمده: " وكلها ساجدة لله مسبحة بحمده، قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (٣)، ولعلك أن تكون ممن غلظ حجابه فذهب إلى أن التسبيح دلالتها على صانعها فقط، فاعلم أن هذا القول يظهر بطلانه من أكثر من ثلاثين وجها قد ذكرنا أكثرها في موضع آخر، وفي أي لغة تسمى الدلالة على الصانع تسبيحا وسجودا وصلاة وتأويبا وهبوطا من خشيته، كما ذكر تعالى ذلك في كتابه فتارة يخبر عنها بالتسبيح وتارة بالسجود وتارة بالصلاة، كقوله تعالى: ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ (٤)، افترى يقبل عقلك أن يكون معنى الآية قد علم الله دلالته عليه، وسمى تلك الدلالة صلاة وتسبيحا، وفرق بينهما وعطف أحدهما على الأخر، وتارة يخبر عنها بالتأويب، كقوله: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ (٥)، وتارة يخبر عنها بالتسبيح الخاص بوقت دون وقت كالعشى والإشراق، أفترى دلالتها على صانعها إنما يكون في هذين الوقتين، وبالجملة فبطلان هذا القول اظهر لذوي البصائر من أن يطلبوا دليلا على بطلانه والحمد لله" (٦).
(٢) المصدر السابق: ١/ ٢٧ - ٢٨.
(٣) الإسراء: ٤٤.
(٤) النور: ٤١.
(٥) سبأ: ١٠.
(٦) مفتاح دار السعادة: ١/ ٣٤٧ - ٣٤٨.