للإلهية؛ لأنها مسخرة مقدرة بسير معين، لا تزيغ عنه يمينًا ولا شمالا ولا تملك لنفسها تصرفا، بل هي جرم من الأجرام خلقها الله منيرة، لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق، ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال. ومثل هذه لا تصلح للإلهية. ثم انتقل إلى القمر فبين فيه مثل ما بين في النجم. ثم انتقل إلى الشمس كذلك. فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع ﴿قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ " (١).
فالمعبود لا بد أن يكون قائماً بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شؤونه، فأما الذي لا يستطيع أن يفعل ذلك، فمن أين يستحق العبادة؟ (٢).
ثانياً: الاستدلال بانتظامها وحركتها على وجوب إفراده بالعبادة، كما قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (٣)، فالله الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة، بأكمل تدبير، وأحسن نظام، وهذا دليل ظاهر على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه، وأنه ليس معه آلهة أخرى؛ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (٤).
ثالثاً: بيان خلق الله وتقديره وهدايته لها، قال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ (٥)، وقال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
(٢) انظر: تفسير ابن سعدي: ١/ ٤٨٦.
(٣) يس: ٣٧ - ٤٠.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ٢٣/ ٩ - ١٠، تفسير البغوي: ٣/ ٦٤٠، تفسير ابن سعدي: ٣/ ١٤٥٣.
(٥) الأعلى: ١ - ٣.