كلها خاضعة لربها، تسجد له ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ (١).
خامساً: بيان موافقتها للفطرة.
إذا تدبر الإنسان كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وجد أن الله -عز وجل- قد أنزل الوحي موافقا للفطرة، والواقع المحسوس، لا يستطيع أن ينكر ذلك إلا مكابر قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (٢).
قال ابن القيم -رحمه الله-: " وتأمل حال العالم كله علوية وسفلية بجميع أجزائه تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه، فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده لا فرق بينهما، بل دلالة الخالق على المخلوق والفعال على الفعل والصانع على أحوال المصنوع عند العقول الزكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس.
فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه، ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما" (٣).
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بهذا المخلوق أن وضع الدلائل المساندة للفطرة والموضحة له الطريق الصحيح في السلوك لما يريده خالقه منه، وأعقب ذلك بإرسال الرسل -عليهم السلام- بالوحي لزيادة التوضيح والبيان لكيفية سلوك هذا الطريق فجاءت معاني النصوص ودلالاتها موافقة لما في الكون من الآيات والحقائق.
قال تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (٤).
قال ابن كثير -رحمه الله-: " يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة، وذلك

(١) انظر: العبودية: ١٠٤، وتفسير ابن كثير: ٣/ ٤٥، وتفسير ابن سعدي: ٢/ ٨٢٦.
(٢) الأنعام: ٣٣.
(٣) مدارج السالكين: ١/ ٥٩ - ٦٠.
(٤) إبراهيم: ١٠.


الصفحة التالية
Icon