ذلك ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ "أو" ها هنا للعطف (١)، كقوله: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ (٢).
قال جرير (٣) (٤):

نَالَ الخلافةَ أو كانت له قَدَرًا كما أتى رَبَّه موسى على قَدَرِ
وقيل: "أو" للتخير كما في كفارة اليمين، فكأنما خير المخاطب بين ضرب المثَلين لهؤلاء المنافقين، إذ كُلُّ واحدٍ منهما يليقُ بحالهم. ﴿كَصَيِّبٍ﴾ كأصحاب صيّب، حذف المضافَ وأقام المضاف إليه مقامه (٥)،
(١) أي بمعنى الواو، وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره (١/ ٣٥٦) وتكون في هذه الحال دالة على مَثَل كما دلت عليه ما قبلها في قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ ثم قال: كمثل صيب، والمعنى الثاني أنها للتفصيل بمعنى أن الناظرين في حال هؤلاء منهم من يشبههم بحال المستوقد الذي هذه صفته، ومنهم من يشبههم بأصحاب صيب هذه صفته. والمعنى الثالث: أنها للإبهام أي: إن الله أبهم على عباده تشبيههم بهؤلاء أو بهؤلاء. والمعنى الرابع: أنها للشك، بمعنى أن الناظر يشك في تشبيههم. المعنى الخامس: أنها للإباحة. المعنى السادس: أنها للتخيير: أي أبيح للناس أن يشبهوهم بكذا أو بكذا وَخُيِّروا في ذلك، والمعنى السابع: أنها بمعنى بل، وأنشدوا قول جرير:
بَدَتْ مِثْلَ قرن الشمسِ في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العينِ أَمْلَحُ
أي بل أنت. وهذه المعاني السبعة ذكرها السمين الحلبي في تفسيره (الدر المصون ١/ ١٦٧). وذكر المؤلف هنا معنيين فقط هما العطف والتخيير.
(٢) سورة الإنسان: ٢٤.
(٣) هو شاعر زمانه جرير بن عطية الخطفي التميمي البصري، مدح يزيد بن معاوية وخلفاء بني أمية، وشعره مدوَّن. وعن بشار الأعمى قال: أهل الشام أجمعوا على جرير والفرزدق والأخطل النصراني. كان جرير عفيفًا منيبًا توفي سنة عشر ومائة.
[سير أعلام النبلاء (٤/ ٥٩٠)؛ أبجد العلوم (٣/ ٧٥)].
(٤) البيت للشاعر جرير كما في ديوانه (ص ٢٠٥).
(٥) وقيل المحذوف مضافين وليس مضاف واحد، والتقدير: أو كمثلِ ذوي صَيِّبٍ، ولذلك رجع عليه ضمير الجمع في قوله: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ لأن المعنى على تشبههم بأصحاب الصيب لا بالصيب نفسه [الدر المصون ١/ ١٦٧].


الصفحة التالية
Icon