كقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ (١) ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ أكبر منها مثل الذباب والعنكبوت، وقيل: من فوقها في الصغر، والفاء لإسقاط إلى (٢) أو العطف ﴿فَأَمَّا﴾ يقتضي جوابًا بالفاء كالشرط ولا عمل له (٣). قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)﴾ (٤)، ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ (٥)، ﴿أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ أن المثل واجبٌ كونُهُ ووجوده.
﴿مَاذَا﴾ أي شيء (٦)، وقيل: ما الذي. و"ما": استفهام، و"ذا" إشارة

= صفتها بل جعلها بدلًا منها. وخالفه في ذلك الفراء (معاني القرآن ٢١/ ١) والزجاج (معاني القرآن ١/ ٧٠) وثعلب وقالوا: يحتاج أن يقدر صفة محذوفة ولا ضرورة إلى ذلك فكان الأوْلى أن يجعل "بعوضة" صفتها بمعنى أنه وصفها بالجنس المُنَكَّر لإبهامه فهي في معنى "قليل" وتكون "ما" وصفتُهَا حينئذٍ بدلًا من "مثلًا"، و"بعوضة" بدلًا من "ما" أو عطف بيان لها.
ويتلخص مما سبق أن في "ما" ثلاثة أوجه: الأول: زائدة، والثاني: صفة لما قبلها، والثالث: نكرة موصوفة.
[الدر المصون ١/ ٢٢٣ - البحر المحيط ١/ ١٢٢ - معاني القرآن للزجاج ١/ ٧٠].
(١) سورة آل عمران: ١٥٩.
(٢) ما ذهب إليه المؤلف من أن الفاء في قوله: ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ بمعنى "إلى" وأن تقدير "إلى ما فوقها" هو قول الكسائي والفراء وغيرهم من الكوفيين، وأنشدوا قول الشاعر:
يا أحسنَ الناسِ ما قَرْنًا إلى قَدَمٍ ولا حبالَ مُحِبٍّ واصلٍ تَصِلُ
أي: ما بين قرنٍ، وحكوا: "له عشرون ما ناقةً فَحَمْلًا".
وذهب السمين الحلبي (الدر المصون ١/ ٢٢٦) أن من قال إن الفاء بمعنى "إلى" قول مرجوح جدًا.
(٣) "أَمَّا" حرف ضُمِّنَ معنى اسم شرطٍ وفِعْله، كذا قدره سيبويه، وقال: "أَمَّا" بمنزلة مهما يَكُ مِنْ شيء. وفائدته في الكلام - كما قال الزمخشري- أن يعطيه فَضْلَ توكيد، وقال بعضهم: "أمَّا" حرف تفصيل لما أجمله المتكلم وادعاه المخاطب، ولا يليها إلا المبتدأ وتلزم الفاء في جوابها، ولا تحذف الفاء إلا مع قول ظاهر أو مقدر كقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٦] أي: فيقال لهم: أكفرتم.
[الدر المصون ١/ ٢٢٧ - الكتاب ١/ ٣١٢].
(٤) سورة الضحى: ٩.
(٥) سورة فصلت: ١٧.
(٦) "ماذا" فيها ستة استعمالات في كلام العرب ذكر المؤلف منها ثلاثة استعمالات ورجح السمين الحلبي (الدر المصون ١/ ٢٣١) الأول والثاني منها. وأما الثلاثة الآخرى مما =


الصفحة التالية
Icon