قال القُتَبي (١): في التوراة أنزل الله على آدم عليه السلام تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة، هو أوّل كتاب كان في الدنيا حذا الله عليه الألسنة كلها ﴿فَمَنْ تَبِعَ﴾ شرطٌ ثاني جوابه ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِم﴾ فصارت الجملة جزاء للشرط الأول. وتَبع وأَتْبَع بمعنى ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فيما يستقبلهم من العذاب. وقيل: إذا ذُبح الموت.
﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بالدوام على ما خَلَّفُوا من أهوال الدُّنيا، وقيلَ: إذا طُبقت النار، ويقال: ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أن يحشروا (٢) يوم القيامة في طاعة الله. ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يوم تكون وجوهُهُم مُسْتقرةً ضَاحكةً مُسْتَبشرة. والحزنُ نقيضُ السُّرور. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا﴾ جمع بين الكفر والتكذيب للتأكيد ﴿بِآيَاتِنَا﴾ بمحمد والقرآن. ثم ذكر منَّتهُ علي بني إسرائيل.
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يا أولاد يعقوب (٣)، يعني بني قريظة والنضير (٤) وسُمّي

(١) العلاَّمة الكبير صاحب الفنون أبو محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل: المروزي، صاحب التصانيف المشهورة والكتب المعروفة، منها: غريب القرآن، وغريب الحديث، ومشكل القرآن، ومشكل الحديث، وأدب الكتاب، وعيون الأخبار، وغير ذلك. سكن بغداد وروى فيها كتبه إلى حين وفاته، مات في شهر رجب سنة ست وسبعين ومائتين، قال الخطيب: كان ثقة دينًا فاضلًا.
[تاريخ بغداد) (١٠/ ١٧٠)؛ سير أعلام النبلاء (١٣/ ٢٩٦)؛ ميزان الاعتدال (٤/ ١٩٨)].
(٢) في (ن): (يخشوا).
(٣) هو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قال ابن الجوزي: وليس في الأنبياء من له اسمان غير نبي الله يعقوب والذي يسمى إسرائيل إلا نبينا محمَّد - ﷺ - فله أسماء كثيرة. لكن الخليل بن أحمد الفراهيدي ذكر خمسة من الأنبياء ذوي اسمين وهم: محمَّد وأحمد نبينا عليه السلام، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذا النون، وإلياس وذا الكفل، صلى الله عليهم جميعًا وسلم.
وإسرائيل اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف وهو في موضع خفض بالإضافة وفيه سبع لغات. قال ابن عباس: "إسرا" بالعبرانية هو عبد و"إيل" هو الله. وكون السورة مدنية فإن الخطاب موجه ليهود المدينة وهم بنو قريظة وبنو النضير، فالله - عَزَّ وَجَلَّ - يذكرهم بنعمته على أسلافهم من بني إسرائيل في عهد فرعون فذكر مجموعة من هذه النِّعَم.
[القرطبي ١/ ٢٢٦ - حدائق الروح والريحان للهرري ١/ ٣٤٩].
(٤) في (ن): ليست فيها (النضير).


الصفحة التالية
Icon