مواضعه. وإنما سُمي الصدقُ حقًّا والكذبُ باطلًا؛ لأن معنى الصدق: ما تحقق كونُهُ، ومعنى الكذب: ما عُدِمَ كونُهُ. وتحقيق الشيء: إثباته. وإبطالُهُ: نفيه. ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾ معطوف على النهي مجزوم. وإن شئتَ جعلتَهُ منصوبًا على الصّرْف (١). والكتمان: الإخفاء ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تحريفه وكتمانه. وقيل: تعلمون الذي بَشَّر به موسى وعيسى والنبيون من قبل. قال قتادةُ: تعلمون أن الإِسلامَ دينُ الله (٢). ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ أعطوها إذا وجبت عليكم. والزكاة في اللغة: نُمو الخير زكا الزرعُ، إذا نما. وفي الشرع: عبارة عن جزءٍ معهود من النِّصابِ يُعتبرُ به الحلول. وإنما سمي زكاةً لأن الله تعالى يكثر وينمي ثوابَ مؤديها. وقيل: لوقوع التزكية بها (٣). قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (٤). ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ أي: صلُّوا الصلوات الخمس مع محمَّدٍ وأصحابه في الجماعات. والركوع في اللغة: الانحناء (٥). وفي الشرع: انحناء معهودٍ في الصلاة.

(١) الأظهر بالنسبة للنصب أنه منصوب بإضْمَار "أَنْ" في جواب النهي بعد الواو التي تقتضي المعية، أي: لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمانه، ومنه قول الشاعر [ينسب للأخطل النصراني وقيل للمتوكل الكناني وقيل لأبي الأسود الدؤلي]:
لاتَنْهَ عَنْ خلقٍ وتأتيَ مثله عارٌ عليك - إذا فَعَلْتَ - عظيمُ
و"أنْ" المضمرة هذه في تأويل مصدر معطوفه على الاسم الذي قبلها، والتقدير: لا يكنْ منكم لَبْسُ الحقِّ بالباطلِ وكتمانه.
وما ذهب إليه المؤلف بقوله: منصوبة على الصرف هو قول الكوفيين.
(٢) ابن أبي حاتم (٤٦٠)، وعزاه صاحب الدر (١/ ٦٥) لعبد بن حميد ولم يعزه لابن أبي حاتم.
(٣) في (أ): (قبله).
(٤) سورة التوبة: ١٠٣.
(٥) ومنه قول لبيد بن ربيعة:
أُخَبِّرُ أَخْبَارَ القُرونِ التي مَضَت أَدِبُّ كَأنِّي كُلَّما قمتُ راكعُ
وقال ابن دريد: الركعة الهُوَّة في الأرض، لغة يمانية.
وقيل: إنما خص الركوع بالذكر لأنَّ بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع، وقيل: لأنه كان - أي الركوع - أثقل على القوم في الجاهلية حتى قيل إن عمران بن حصين عندما جاء ليسلم أمام النبي - ﷺ - اشترط على ألَّا يخرَّ إلاَّ قائمًا. فلمّا تمكّن الإسلام من قلبه امتثل ما أمر به من الركوع.
[القرطبي ١/ ٢٣٤].


الصفحة التالية
Icon