أحدهما مجازًا، كقوله: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ (١). ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (٢)، ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ (٣). والحقيقة: ما لا إشكال في وجهه ولم يُصرف عن ظاهره. والمجاز: ما تَوَسّع الناسُ فيه لفظًا واصطلحوا عليه واستجازوه إما ضرورةً كتسمية الرجل كلبًا وأسدًا، وإما اختيارًا للتخفيف والعادة، كقولهم: طَلَعَ الفجرُ وأظْلَم الليلُ ونبتَ الشجرُ. والإطناب، كقولنا في المصائب: انكسر الصلب، وفي العشق: تقطع القلب، وفي السرور: قُرّة العين. وللتفاؤل كتسميته الغلام: يُمنًا وسَعْدًا. وهو من البلاغة في الرسائل والخطب والقصائد، إذا عري عن التأكيد وعُرف منه مراد المريد.
ثمّ نعت الخاشعين ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ يعلمون وَيَسْتَيقِنون (٤)، كقوله: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ (٥)﴾ (٦) و ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠)﴾ (٧) ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ في الآخرة للمُجازاة، وقيل: إلى حكمه عائدون، يعني حال التعري عن المكاسب والدعاوى والمعذرة وحالَ التسليم والاستسلام، والظنُّ من الأضداد، يطلقُ على معنى اليقين وحقيقة العلم، ويطلقُ على معنى الحُسْبَان وهو مجاوزة الشك قليلًا والميلُ إلى أحد النقيضين.

(١) سورة التوبة: ٦٢.
(٢) سورة التوبة: ٣٤.
(٣) سورة الجمعة: ١١.
(٤) الظنّ بمعنى اليقين معروف في كلام العرب ومنه قول دريد بن الصِّمَّة:
فقلت لهم ظُنُّوا بأَلْفَي مُدَجَّجٍ سَراتُهُم في الفارسي المُسَرَّدِ
وقول الشاعر:
رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَه بِغَريم وغيوبٍ كشفتَها بِظُنونِ
ومن أجرى الظنّ على بابه في آية البقرة والآيات التي ذكرها المؤلف بتقدير محذوف كما فعل المهدوي والماوردي. قال ابن عطية: إن هذا تَعُسُّف وإن جمهور المفسرين على أن الظنّ في هذه الآيات بمعنى اليقين.
[القرطبي ١/ ٢٥٥ - تفسير ابن عطية ١/ ٢٧٨].
(٥) (الأرض) ليست في (ب).
(٦) سورة الجن: ١٢.
(٧) سورة الحاقة: ٢٠.


الصفحة التالية
Icon