﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ مَحَوْنا الذنب عنكم من قولك: "عَفَتِ الريحُ الأثَرَ" (١) وقيل: تركناكم ولم (٢) نَسْتَأصلكم بالقتل. ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ من بعد اتخاذكُمُ العجلَ. والكاف في ذلك موحد لأنه علامة الخطاب (٣) وليس باسم، ألا ترى لو قال: من ذا جازَ، فإذا جازَ إسقاطُهُ جاز توحيده ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكي تُظْهِرُوا ثناءَ الله وتحمدوه على عفوه عنكم، إذ الشّكرُ قضيّة الإحسان (٤) سواءٌ أريد أو لم يرد، فما أرادَ الله كان وما لم يُرِدْ لم يكن، وهو على كل شيء قدير.
﴿وَإِذْ (٥) آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ يعني التوراة. عن مجاهد: ذكرهما بأسمين كما يُقال: سُحْقًا وبُعْدًا (٦)، ويقال: الكتاب: التوراة،

= فيه الحقيقة ولا يمنع من حمله على الحقيقة فتسميته عجلًا هو حقيقة بحد ذاته. وقيل: سمي عجلًا لاستعجالهم عبادته، ويقال: عِجْل وعجول وتجمع على عجاجيل والأنثى عجلة قاله أبو الجراح.
(١) أي أذهبته، ويقال أيضًا: عفا الشيء: إذا كَثُر. فهو من باب الأضداد. ومنه قوله تعالى ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ وقيل إن العفو مقرون بالعقوبة قبلها أو بعدها أحيانًا بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبةٌ البَتَّة.
[القرطبي ١/ ٣٩٧].
(٢) (ولم) ليست في (ن).
(٣) [انظر التحرير والتنوير ١/ ٥٠١].
(٤) الشكر لغة: الظهور، من قولهم دابة شكور: إذا ظهر عليها من السِّمَن فوق ما تُعْطَى من العلف. واصطلاحًا: هو الثناء على من أَوْلاك معروفًا من خالق أو مخلوق. [اللسان: (شكر)].
(٥) (وإذ) ليست في (ن).
(٦) قال الفَرَّاء وقطرب - فيما نقله عنهما النَحَّاس في إعراب القرآن - أن المراد بالكتاب التوراة والفرقان هو محمَّد عليه الصلاة والسلام. قال أبو جعفر النحاس: وهذا خطأ في الإعراب والمعنى، أما الإعراب فإن المعطوف على الشيء مثله، وعلى هذا القول يكون المعطوف على الشيء خلافه، وأما المعنى فقد قال - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ...﴾ [الأنبياء: ٤٨] ولذا قال أبو إسحاق الزجاج: يتعين أن يكون الفرقان هذا الكتاب أعيد ذكره وهو معروف في كلام العرب، ومنه قول عدي بن زيد العبادي:
فقددت الأديم لراهِشَيْهِ وألفى قولها كذبًا ومَيْنَا
وقول عنترة بن شداد العبسي: =


الصفحة التالية
Icon