﴿يَا قَوْمِ﴾ تقديره: يا قومي، إلا أنه اكتفى بكسرة الميم عن الياء، كما تقول: يا ربِّ (١) ﴿ظَلَمْتُمْ﴾ أضررتم بأنفسكم في المآل بسلوك طريق الجَوْر. فقالوا لموسى: فماذا تأمرنا؟ فقال لهم: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ خالقكم من اتخاذكم العجلَ إلهًا. قالوا: وما توبتُنا؟ قال: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ليقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجلَ (٢).
والقتل: إتلاف النفس. وقيل المراد به: سَلّموا أنفسكم للقتل، فكان الرجلُ يجلس بفنائه مُحْتَبيًا لتُضْرَبَ عنقُهُ، فإن حَلَّ حِبْوَتَهُ أو دافع لم تُقْبل توبته وإلّا كان كفارة له، فلمّا كان وقت العشية نسخ الله ذلك الحكم ورفع عنهم الإصر.
﴿ذَلِكُمْ﴾ القتل والتوبة أو أحدهما (٣) ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ مِنَ الإباء والعناد ﴿عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ أي: في حكمه (٤)، كما يُقال: عند أبي حنيفة (٥). ويُقال
ولستُ براجعٍ ما فاتَ مِنِّي | بلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لَوَنَّي |
[زاد المسير ٥/ ٣٩٩ - أمالي الشجري ٢/ ٧٤ - الدر المصون ١/ ٣٦٠].
(٢) صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ولفظه: أخذ موسى علي بني إسرائيل المواثيق ليصبرنَّ على القتل، فأصبحوا بأفنية بيوتهم محتبين فأتاهم هارون - عليه السلام - واثنا عشر ألفًا لم يعبدوا العجل شاهرين سيوفهم.
[البحر المحيط ١/ ٢٠٧ - روح المعاني ١/ ٢٦٠ - الطبري ٢/ ٧٥].
(٣) (أو أحدهما) ليست في (ن).
(٤) في (أ): (حكم).
(٥) أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، قيل: إنه من أبناء الفرس، ولد سنة ثمانين من الهجرة في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك عند قدومه إلى الكوفة ولم يثبت له الرواية عن واحد منهم. وهو صاحب المذهب وإليه المنتهى في الفقه، قال ابن المبارك: ما رأيتُ رجلًا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتًا وعلمًا من أبي حنيفة.=