﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ﴾ اعترفتم وكأنه أُخذ من تقرير الدعوى. والخطابُ فيه متحقق إلى الموجودين في الحال.
﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ على آبائكم بأخذ الميثاق عليهم. وقيل: تشهدون على أنفسكم بتوجيه الخطاب عليكم. والشهادة هي: إخبار عن ثبوت الشيء لأحد على أحد كأنها من شهود البيِّنة حال وقوع الأمر أو شهودهم عند القاضي.
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ نزلت في طائفة من اليهود حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج بني أخوين من اليهود نزلا يثرب انتظارًا للمبعث، فكانوا (١) يعينون حلفاءهم (٢) المشركين علي بني أعمامهم في القتل والأسر والإجلاء والشرّ كله. ثم يفدي بعضُهم أسارى بعض تمسكًا بعهد الله تعالى في هذه الخصلة الواحدة وصلة الرحم وكراهة لرق أولاد يعقوب (٣) - عليه السلام -. فأنزل الله هذه الآية ذمًا (٤) لهم في عداوتهم وتناقض صنيعهم وآرائهم (٥). و ﴿أَنْتُمْ﴾ كناية عن المخاطبين. و ﴿هَؤُلَاءِ﴾ مرفوع في التقدير، وتقديره: الخبر أو النعت أو النداء. أما الخبر فكأنه قال: أنتم الذين تقتلون أنفسكم، ويجوز إقامة المبهم التام مقام المنصوص عليه، كقوله: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧)﴾ (٦)، وما التي بيمينك، والنعت كقولك: ها هو ذي يكون النعمت والمنعوت بمنزلة اسمم واحد كما في التأكيد والنداء، فكأنه قال: أنتم يا هؤلاء (٧).

(١) في جميع النسخ (فكأنهم) ولعلَّ ما أثبتنا هو الأصوب.
(٢) في "ب": (حلفاء).
(٣) في "ب" "أ": (عليهم).
(٤) حرف الذال ليست في "أ".
(٥) ما ذكره المؤلف في تفسير هذه الآية مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مفصلًا. أخرجه الطبري (٢/ ٢٠٧) وابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ١٦٣).
(٦) سورة طه: ١٧.
(٧) في "هؤلاء" سبعة أوجه إعرابية، ذكر المؤلف ثلاثة أوجه، منها:
الوجه الأول: أنهما خبر والمبتدأ فيها "أنتم". =


الصفحة التالية
Icon