﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ جمع أَغْلَف، كمُرْد وأمْرد، والأَغْلَف، الأَقْلَف لأن بعضهم (١) في غلاف وغطاء، وهذا كقول غيرهم: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ (٢) وإنما أرادوا به الصَّون والحفظ وأرادوا بذلك إياس الناس من إيمانهم.
وقيل الغُلْف: في الأصل غُلُف - بضم اللام - وهو جمع غِلاف كحِمَار وحُمُر، وعَنَوْا به إحاطتهم بالعلوم، وكلاهما محتملان. فكذَّبهُمُ اللهُ تعالى وقال: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ أي: طردهم وخذلهم، ومن تحية الملوك: أَبَيْتَ اللعن، ومجازه: لا لعنتنا، أو نعوذ بك من لعنك. ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: قليلًا يؤمنون، فيكون القليل نعت اسم محذوف و (ما) صلة لنوع تأكيد. وقيل: (ما) للنفي، أي: لا يؤمنون إيمانًا قليلًا [وقيل: قليلًا] (٣) ما وقل ما معدولان إلى حيز الحروف، والمراد بها نفي كالنفي في (لما) و (لا يكاد) وإن أخذنا بالقولَين الأولَيْن فقليلًا (٤) نصب لوقوع الفعل عليه، وإن أخذنا بالقول الثالث فيكون قليلًا مسموعًا غير محل للإعراب (٥).
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ﴾ نزلت في ذكر استفتاح اليهود من الله تعالى على العرب في (٦) وقائعهم مع حِمْيَر وبني كهلان باسم محمد - عليه السلام -، وذلك
(٢) سورة فصلت: ٥.
(٣) ما بين [...] ليست في "أ".
(٤) في "أ": (فلا بلا) وهو غير مفهوم.
(٥) في نصب "قليلًا" ستة أوجه ذكر المؤلف بعضًا منها، وهي على وجه الاختصار كالتالي:
الوجه الأول: أنه نعت لمصدر محذوف، أي: إيمانًا قليلًا يؤمنون.
الوجه الثاني: أنه حال من ضمير ذلك المصدر المحذوف، أي: يؤمنونه أي الإيمان في حال قلَّته، وهذا مذهب سيبويه.
الوجه الثالث: أنه صفة لزمان محذوف، أي: فزمانًا قليلًا يؤمنون.
الوجه الرابع: أنه على إسقاط الخافض. التقدير: فبقليل يؤمنون، وهذا مذهب أبي عبيدة.
الوجه الخامس: أن يكون حالًا من فاعل "يؤمنون".
الوجه السادس: أن تكون "ما" نافية، أي: فما يؤمنون قليلًا ولا كثيرًا. قال أبو البقاء: وهذا قويٌّ من جهة المعنى وهو ما ذهب إليه ابن الأنباري.
[الكتاب (١/ ١١٦) - الإملاء (١/ ٥٠) - الدر المصون (١/ ٥٠٢)].
(٦) (في) ليست في "أ".