﴿وَرَاءَهُ﴾ على الظرف (١)، وكلّ شيئين أحدُهما أقرب منك فهو دون الآخر والآخر وراءه، كلُّ مشغولٍ عنه وراء الشاغل. وهو راجع إلى ما، وما قائم مقام القرآن. و ﴿مُصَدِّقًا﴾ نصبٌ على القطع كوفيًا وعلى الحال بصريًا (٢). و (لِمَ) أداة لطلب الحجة، وهو في الأصل: لماذا، وتقديره: لأجل أي شيء ذلك الفعل وذلك القول، ونظيره في الاختصار: عَمَّ ومِمَّ. ﴿تَقْتُلُونَ﴾ مستقبل بمعنى الماضي بدلالة قوله: ﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (٣).
وكرر اتخاذ العجل، والتكرار ربما اتصل بزيادة فائدة، وربما لم يتصل. فيما يتصل ثلاثة أنواع، أحدها: مثل هذا إذ الأولى لإلزام الحجة وتذكير النعم بدلالة أنه أتبعهًا ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا﴾ (٤).
والثانية: لتكذيبهم في دعواهم (٥)، بدلالة قوله: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ
وجاء في الحديث عن إبراهيم - عليه السلام -: "كنتُ خليلًا من وراءُ وراءُ" [أخرجه مسلم في صحيحه- كتاب الإيمان (١/ ١٨٧)].إذا أنا لم أُومِنْ عليكَ ولم يكن لقاؤُك إلا مِنْ وراءُ وراءُ
[معاني القرآن (١/ ٦٠) - مجاز القرآن (١/ ٤٧) - الإملاء (١/ ٥١) - شرح الجمل (٢/ ٣٠٥)].
(٢) ولذا هي عند سيبويه حال مؤكدة. والحال المؤكدة: إما أن تؤكد عاملها نحو: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ وإما أن تؤكد مضمون جملة، فإن كان الثاني التزم إضمار عاملها وتأخيرها عن الجملة، ومثله ما أنشده سيبويه وهو لسالم بن دارة:
ويكون التقدير في الآية: وهو الحق أَحُقُّهُ مصدقًا.أنا ابنُ دارةَ معروفًا بها نسبي وهل بدارةَ يا للناسِ منْ عارِ
[الكتاب (١/ ٢٥٧) - الخصائص (٢/ ٢٦٨) - الأشموني (٢/ ١٨٥) - إعراب القرآن للنحاس (١/ ١٩٨)].
(٣) سورة آل عمران: ١٨٣.
(٤) سورة البقرة: ٥٢.
(٥) في "ن": (دعوتهم).