الفعل (١)، نظيره: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ﴾ (٢). والنسخ في اللغة: الإزالة والإزاحة. يقال: نَسَخَتِ الشمسُ الظِّلَّ، والريحُ الأثرَ. وتُسمى كنايةً ما هو في كتابٍ سابقٍ نسخًا مجازًا، وكذلك يسمى نقلًا، وحقيقة النقل ما يكون له فراغ محلٍّ لشغل محلٍّ.
واعلم أنَّ نسخ الشريعة يأباه اليهودُ والإماميةُ من الشيعة، ولا يفرقون بينه وبين البَدَاء، فحجةُ اليهود قولُ موسى - عليه السلام -: "مَنْ جاءكم بخلاف ما أتيتُكم به فلا تقبلوه". وحجة الإمامية، قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ (٣)، وقوله: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ (٤).
ويجعلون ما يُعَدُّ منسوخًا من الأحكام مؤقتًا بوقتٍ معين مُقدَّر يعلمُه النبيُّ (٥) أو الوصيُّ من بعده، فينتهي وقتُهُ من غير نسخٍ. ويُفسِّرون هذه الآية بانتساخ القرآن من اللوح المحفوظ.
قلنا (٦): أَمَّا قولُ موسى - عليه السلام -، معناه: مَنْ جاءكم مُكذبًا مُخَطِّئًا إيَّاي فلا تصدقوه، ولم يرد به مَنْ (...) (٧) على المعلوم الأول، إذ هو لا يكون مخالفًا، ألا ترى أنك إذا تيقنت الخبرَ ثم جاءَ إنسانٌ وقال: إن ما
الأول: أن "ما" مفعول مقدَّم لـ "ننسخ"، وهي شرطية جازمة له، والتقدير: أيَّ شيء ننسخ، مثل قوله: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا﴾.
الثاني: أنها شرطية أيضًا جازمة لـ "ننسخ" ولكنها واقعة موقع المصدر، و"من آية" هو المفعول به، والتقدير: أيَّ نَسْخٍ ننسخ آيةً، قاله أبو البقاء وغيره، ومجيء "ما" مصدرًا معروف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
نَعَبَ الغرابُ فقلتُ: بَيْنٌ عاجِلٌ... ما شِئْتَ إذْ ظَعَنُوا لِبَيْنٍ فَانْعَبِ
[البحر (١/ ٣٤٣) - الدر المصون (٢/ ٥٥)].
(٢) سورة التوبة: ١١٠.
(٣) سورة الشورى: ١٣.
(٤) سورة ق: ٢٩.
(٥) في "أ" (الله) وهو خطأ.
(٦) في "أ": (قلت).
(٧) كلمة غير واضحة.