﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: إسمان مشتقَّان من الرحمة. والرحمةُ منك: إرادتك (١) الخير بمَن هو دونك في الرتبة مُتصلة بإنعامك عليه. وضدّهُ: الفظاظة والجفاوة. وأحدُ الاسمين أرقُّ من الآخر، ولهذا كرر الاسمين. وقيل: للتأكيد (٢).
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: قال ابن عرفة (٣): الرضا بالقول، يُقال: حَمَدتُ الشيء إذا رَضيتُهُ، وأحمدتُهُ: إذا وجدتهُ مَرضيًا. وقيل: الحمد: الثناء. ونقيضه: الذم دون الكفران.
والحمدُ أعمُّ من الشكر (٤)، لأنَّك تحمدُ مَنْ أنعم عليك أو على

= لأنهم [قالوا هي مقلوبة] لهي أبوك، ثم أدخلت عليه الألف واللام) اهـ. والكلام من "الإملاء" للعكبري (١/ ٥).
(١) وهذا التفسير للرحمة - بأنها إرادتك لخير- هو تفسير الأشاعرة وتأويلهم لصفة الرحمة، وبه يتبيَّن لنا أن الجرجاني يغترف من المذهبين: مذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة. وإن كان ميوله الاعتزالي في مسائل محدودة وقليلة جدًا، بينما ميوله إلى مذهب الأشاعرة يتجلى من خلال تبنيه لكثير من مسائلهم. وانظر ما أَوَّلَه القرطبي ونحا نحوه في قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ وقد ردَّ ابن القيم هذا التأويل كما في "مختصر الصواعق" (٢/ ١٢١).
(٢) هذا القول ذكره أبو عبيدة في "مجاز القرآن" (١/ ٢١) ونسبه إلى قطرب، وردّه أبو هلال العسكري في الفروق (ص: ٢٥) وغيره.
(٣) هو العلاَّمة المعروف بنفطويه، واسمه إبراهيم بن محمَّد بن عرفة، كان عالمًا بالقرآن والحديث والعربية. قال عنه الحافظ الذهبي: الإِمام الحافظ النحوي العلامة صاحب التصانيف، أخذ النحو عن ثعلب والمبرد. ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، كان ينكر الاشتقاق. خلط نحو الكوفيين بنحو البصريين. صنَّف "غريب القرآن" و"كتاب المقنع" في النحو، و"كتاب البارع" و"تاريخ الخلفاء". توفي في صفر سنة ثلاثٍ وعشرين وثلاث مائة. وكان محمَّد بن زيد الواسطي هجاه فقال فيه:
من سَرَّهُ أن لا يرى فاسقًا فليجتنب مِنْ أن يرى نِفْطَوَيْهِ
أحرقه اللهُ بنصفِ اسمِهِ وَصيَّرَ الباقي صُرَاخًا عَلَيهِ
[انظر ترجمته في: تاريخ بغداد (٦/ ١٥٩)؛ السير (١٥/ ٧٥)؛ البداية والنهاية (١١/ ١٨٣)؛ العبر (١٩٨)؛ إنباه الرواة (١/ ١٧٦)].
(٤) والتحقيق في هذه المسألة أن بين الحمد والشكر عمومًا وخصوصًا، فالحمدُ أعمّ من الشكر من حيث ما يقعان عليه، لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، =


الصفحة التالية
Icon