للمتأول فيه متعلَّق وإنّما قال: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، ولم يقل أمهات الكتاب؛ لأنّه اعتبر المعنى وهو الأصل فجعل الآيات شيئًا واحدًا، ثم وحّد وقرب منه (١)، كقوله تعالى (٢): ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٥].
و ﴿وَأُخَرُ﴾ جمع أُخرى، وإنما لم يصرف (٣) للتأنيث، والعدل (٤) عند البصريين، وقال الكسائي: لأنّه صفة كالاسم مثل عُمَر (٥)، ﴿زَيْغٌ﴾ مَيل عن

(١) أخبر بلفظ الواحد وهو "أُمُّ" عن جمع وهو "هُنَّ" إما لأن المراد كل واحدة منه أم، وإما لأن المجموع بمنزلة آية واحدة كالآية التي ذكرها المؤلف ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٠]، وإما لأنه مفرد واقع موقع الجمع كقوله تعالى: ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقَرَة: ٧]، وكقول الشا عر:
كُلُوا في بعضِ بطنِكم تَعِفُّوا فإنَّ زمانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ
أي: بعض بطونكم.
وقول علقمة الفحل:
بها جِيَفُ الحَسْرى فأمَّا عظامها فبيضٌ وَأَمَّا جلدها فصليبُ
وقال الأَخفش: وَحَّدَ "أم الكتاب" بالحكاية على تقدير الجواب. كأنه قيل: ما أم الكتاب؟ فقال: هنَّ أم الكتاب. قال ابن الأنباري: وهذا بعيد من الصواب في الآية لأن الإضمار لم يقم عليه دليل ولم تدع إليه حاجة.
[الكتاب (١/ ١٠٨)؛ ابن يعيش (٥/ ٨)؛ أمالي الشجري (١/ ١٠٨)؛ ديوان علقمة الفحل ص ٤٠؛ الدر المصون (٣/ ٢٥)].
(٢) (تعالى) من الأصل.
(٣) في "ب": (يثبت).
(٤) في الأصل و"ي" "ب": (والعدد).
(٥) يرى الخليل وسيبويه - كما حكاه الزجاج عنهما - أن "أُخَر" غير مصروفة لأنها فارقت أخواتها، والأصل الذي عليه بناء أخواتها؛ لأن "أُخر" أصلها أن تكون صفة بالألف واللام كما تقول: الصغرى والصُّغَر والكبرى والكُبَر، فلما عدلت عن مجرى الألف والسلام منعت من الصرف. وقيل: لم تصرف لزيادة الياء التي في واحدتها، وإن جمعها مبني على واحدها في ترك الصرف. وقال أبو عبيد: لم يصرفوها لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة. وأنكر ذلك المبرد وقال: يجب على هذا ألا ينصرف غضاب وعطاش.
وما ذكره المؤلف عن الكسائي أنكره المبرد وقال: إن لبدًا وحطمًا صفتان، وهما منصرفان.
[ابن جرير (٥/ ١٩١)؛ الزجاج - معاني القرآن (١/ ٣٧٧)؛ القرطبي (٤/ ١٣)].


الصفحة التالية
Icon