﴿أَسْلَمْتُ﴾ جوابًا لهم من أوجه أربعة:
أحدها. أنهم حاجّوه في عبادة المسيح فقالى: بل أسلم وجهي لمن استوجب العقول عبادته ضرورة ولا أعبد غيره اشتباهًا ومنية.
والثاني: أنهم أقروا بوجوب عبادة الله فسلموا له دعواه ثم ادعوا عبادة آخر معه فأجابهم بأنه أخذ المجموع دون المختلف ديه.
والثالث: أنهم الحق في لزوم سير (١) معهودة بعضها منسوخ (٢) وبعضها
بدعة، فقال -عليه السلام-: "بل الحق في الانقياد لله فيما يمحو أو (٣) يثبت".
والرابع: أنه أعرض (٤) عن جدالهم وأخبر بما يقطع جدالهم كقول موسى -عليه السلام- حيث قال فرعون: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)﴾ [الشعراء: ٢٧، ٢٨].
﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ بمعنى الأمر (٥) كقوله (٦): ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١]، ومثل: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (٧) [هود: ١٤] و ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصّافات: ٥٤]، و ﴿الْبَلَاغُ﴾ اسم من التبليغ كالعذاب والتعذيب والكلام من

= إنه منصوب على المعية، والواو بمعنى "مع" أي: أسلمت وجهي لله مع من اتبعني، قاله الزمخشري.
[الكشاف (١/ ٤١٩)، المحرر (٣/ ٤٣)؛ البحر المحيط (٢/ ٤١٢)].
(١) في "أ": (سيرة).
(٢) (بعضها منسوخ) ليست في "ب".
(٣) في "ب" "أ": (و).
(٤) في "ب" "ي" والأصل: (إعراض).
(٥) أي أنه استفهام بمعنى الأمر، والتقدير: أسلموا. كقوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المَائدة: ٩١] التقدير: انتهوا. فهو بمعنى- كما قال الزمخشري-: أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام ويقتضي حصوله لا محالة، فهل أسلمتم بعدُ أم أنتم على كفركم.
[الكشاف (١/ ٤١٩)، معاني القرآن للفراء (١/ ٢٥٢)].
(٦) في "أ": (كقولهم).
(٧) (وقيل أنتم مسلمون) بياض في "أ".


الصفحة التالية
Icon