والثاني على الاستفهام (١) بمعنى الإنكار وهذه في معنى (٢) قوله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣] ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] أي: النعم مبتداة من الله تعالى قبل الاستحقاق والاستيهال، والحوادث إنما يقضى بها لا نسبتها لنا إياها بكونها محلًا لها ولاستباحتنا (٣) إياها بارتكاب الجرائم وإنما قال: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ لأن قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ﴾ شهادة.
﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ﴾ طاعة الائتمار بأمره والانتهاء إلى قوله دون منه أوانه في فعله، وليس يطيع الرسول من ينكر نسخ القرآن بالسنة، وإنما كانت طاعته طاعة الله تعالى لأنه -عليه السلام- لم ينطق عن الهوى ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ أي: لم نبعثك جبارًا عليهم لتحفظهم عن التولي بالخبر، قيل: وهذا منسوخ بآية السيف، لم نبعثك رقيبًا عليهم لتحفظهم في السر والعلانية.
﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ﴾ نزلت في المنافقين، و (طاعة) خبر مبتدأ محذوف. ﴿يُبَيِّتُونَ﴾ والتبييت إذا وقع على المعاني وهو التفكير بالليل وإذا وقع على الذوات فهو مكرها بالليل. قال الله تعالى: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ﴾ [النساء: ١٠٨] وقال: ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: ٤٩] وهو واقع هاهنا على غير قولهم وهي قرينة من قوله: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤]. ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ (٤) في اللوح المحفوظ، وقيل: كُتَّابه الحفظة ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أي: الهُ عنهم ولا يهمنّك أمرهم ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ فيما يريدون بك وفي جميع أمورك.

(١) ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية أن الحسنة: هو ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح. والسيئة: هو ما أصابه يوم أُحُد أن شُجَّ في وجهه، وكسرت رباعيته. أخرجه الطبري في تفسيره (٧/ ٢٤٢)، وابن أبي حاتم (٥٦٥٣)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ١٨٥) إلى ابن المنذر.
(٢) في "ب": (وهذهِ بمعنى).
(٣) في جميع النسخ: (ولاستجابنا)، والمثبت من الأصل.
(٤) (ما يبيتون) من "ب".


الصفحة التالية
Icon