لكشف باطنها ﴿لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ ليدله وينبهه على قبر أخيه فإنه لم يقبر أحد قبل هابيل، عن ابن عباس: أنه بقي معه سنة (١)، وعن مجاهد أنه بقي معه مائة سنة (٢)، وقيل: مائة يوم لا يدري ما يصنع به وكيف يخفيه، وإن أجرينا على قول الحسن والضحاك فمعناه ليذكر قتل أخيه فإنه تحيّر ودهش ونسي (٣) القبر، والأول أصح. و (السوأة) (٤) العورة (٥) سميت سوأة لأنها تسوء الرائي وتوحشه، وأراد هاهنا: الجسد كله ﴿يَا وَيْلَتَا﴾ نداء للويلة، والويل والويلة بمعنى، والألف في ويلتى إما للندبة أصله يا ويلتاه، وإما بدلًا من الإضافة وأصله يا ويلتي بترقيق الياء، والمقصود بنداء ما لا يجب تنبيه للنفس أو السامعين على فوق ذلك الشيء وأوانه (٦) ﴿أَعَجَزْتُ﴾ استفهام بمعنى التعجب، والعجز عن القدرة كالموت من الحياة، قيل: هو عدمها، وقيل: هو معنى يضادها و (أصبح) صار ﴿مِنَ النَّادِمِينَ﴾ على قتله. وإنما لم ينفعه الندامة لقوله -عليه السلام-: "ثلاث لا تقبل توبتهم: إبليس رأس الكفرة، وقابيل رأس القتلة، ومن قتل نبيًا أو قتله نبي" (٧) والندامة لم تكن توبة لهم

(١) أخرجه الطبري (٨/ ٣٤١) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: قال ابن عباس: مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة حتى بعث الله - عز وجل - الغرابين فقال: أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟ فدفن أخاه.
(٢) أخرجه عنه الطبري (٨/ ٣٤٣) وعزاه ابن كثير (٣/ ٨٤) إلى ابن أبي حاتم.
(٣) في الأصل: (وبمعنى).
(٤) في "ي": (السواة).
(٥) قال الليث: السَّوْء فرج الرجل والمرأة ومنه قوله تعالى: ﴿بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ [الأعرَاف: ٢٢] واللفظة لها عدة استعمالات منها ما ذكره المؤلف واقتضاه سياق الآية.
[تهذيب اللغة (١٣/ ١٣٣)].
(٦) قلب ياء المتكلم ألفًا لغة فاشية في المنادى المضاف إليها كما في هذه الآية: ﴿يَا وَيْلَتَا﴾ [المَائدة: ٣١] والنداء وإن كان أصله لمن يتأتى منه الإقبال وهم العقلاء إلا أن العرب تتجوز فتنادي ما لا يعقل، والمعنى: يا ويلتي احضري فهذا أوان حضورك ومنه قوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ﴾ [الزمر: ٥٦].
[البحر (٣/ ٤٦٦)، الدر المصون (٤/ ٢٤٥)].
(٧) هذا الحديث لم أجد له مصدرًا فيما بين يدي من المصادر والمراجع.


الصفحة التالية
Icon