والإهلاك إلى الله تعالى ودون الإتيان بكل ما يقترفه، الإثم إذ ذاك شيء لا نهاية له، ووجود (١) ما لا نهاية له محال.
﴿خَزَائِنُ﴾ جمع خزينة، والخزينة الأموال المخزونة المستورة عن أعيُن الناس، والخزانة بكسر الخاء الموضع المخزون، والصناعة: الخازن بفتح الخاء المصدر، وأراد هاهنا غوامض مقدوراته ونعمه المستورة، ﴿الْغَيْبَ﴾ ما لم يطلعه الله عليه ولم يخبره عنه، وفي الآية أربع خصال من الأدب بترك الصلف وترك الكبر وحسم التهم والشبه ووضع سنَّة يستنُّ بها من بعد، ﴿الْأَعْمَى﴾ الكافر الجاهل ﴿وَالْبَصِيرُ﴾ المؤمن العالم (٢).
﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ﴾ نزلت في شأن المؤمنين (٣) ﴿بِهِ﴾ بالقرآن والوحي، ﴿يَخَافُونَ﴾ يعلمون، قاله الحسن (٤). وإنما خصّ المؤمنين لانتفاعهم به كقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ﴾ [يس: ١١].
﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ﴾ نزلت في الموالي والفقراء مثل عمار وبلال وصهيب وخباب وسالم وابن مسعود. كان أبو جهل قال: يا محمد، لو طردت هؤلاء لأتاك أشراف قومك (٥)، وعن السدي أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن قالا: يا محمد، تأتيك وفود العرب ونحن نستحي أن

(١) في "أ": (فوجود).
(٢) قاله ابن جرير في تفسيره (٩/ ٢٥٦)، ورواه عن قتادة.
(٣) روي ذلك عن ابن مسعود، رواه أحمد (٧/ ٩٢)، وابن جرير (٩/ ٢٥٨، ٢٥٩)، وابن أبي حاتم (٧٣٤٢)، والطبراني في الكبير (١٠٥٢٠)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٣٤٦) وسنده حسن ولفظه: (مرّ الملأ من قريش على النبي - ﷺ - وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ [الأنعَام: ٥٣]؟! أنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فأنزل فيهم القرآن ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعَام: ٥١] إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ [الأنعَام: ٥٨].
(٤) انظر تفسير القرطبي (٣/ ٤٣١).
(٥) لم أجده عن أبي جهل، ولكن ذكر في بعض الروايات جمع من كبار كفار قريش كعتبة وشيبة ابني ربيعة، ومطعم بن عدي وغيرهم. أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ٢٦٣) وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٣/ ١٣) إلى ابن المنذر.


الصفحة التالية
Icon