الساج، فعلم نوح -عليه السلام- أن في الأمر مهلة فأمر بغرس الأشجار (١) عشر سنين وأدركت القطع بعد أربعين سنة (٢)، ثم أمر الله بقطعها واتخاذ السفينة منها، وألهمه كيفيتها فعمل السفينة على خلقة البط وجعل لها رأسًا كرأس الديك وذنبًا كذنب الطاووس، وصيرها أربعة أطباق: طبقًا له ولأصحابه، وطبقًا للبهائم والوحوش، وطبقًا للسباع، وطبقًا كالسقف في بعض الروايات لئلا يصل المطر إليهم من نحو السماء، وقيرها داخلًا وخارجًا وسدّها بالمسامير، وفرغ من ذلك، فبينا امرأته وابنته تخبز (٣) إذ فار التنور بالماء وفجرت الأرض عيونًا فبادَرَت إلى أبيها تخبره فنادى نوح في أصحابه فاجتمعوا إليه ودخلوا السفينة، وحشر الله إليهم حيوان الأرض فأخذ من كل جنس زوجين وامتنع الحمار عن الدخول فزجره نوح وقال: ادخل يا شيطان فدخل إبليس معه، فلما أبصره نوح -عليه السلام- قال: من أدخلك؟ قال: أنت وليس لك علي سلطان فإني من المنظرين، ودعا نوح ابنه يام (٤) فلم يجبه ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٣].
واختلف الناس في عوج بن عنق (٥) قال بعضهم: لم تغمره الماء ولم تدركه دعوة نوح؛ لأنه لم يكن ديّارًا، أي صاحب دار، وقال بعضهم: شذّ عن عموم الدعوة واختصت الدعوة بالباقين، ويحتمل أنه كان من أصحاب السفينة ثم كفر بعد ذلك يهود وسائر الأنبياء، وقيل: إنه من ذرية آدم بن سام ولد بعد الطوفان فكانت أبواب السماء مفتحة ﴿بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ [القمر: ١١] والأرض متفجرة بالماء أربعين يومًا.

(١) في "ب": (الساج).
(٢) في كتب السير والتفاسير يذكر بعضها أنه زرعها مدة عشرين سنة والبعض أربعين سنة، ثم انتظره أربعين سنة.
(٣) المثبت من "ب"، وفي البقية (فبينا امرأته تخبز).
(٤) ويسميه بعض المؤرخين (كنعان).
(٥) قصة عوج بن عنق من حكايات بني إسرائيل وقد كذبها جمع من المفسرين والمؤرخين، وهم ذكروا أنّ عوجًا كان ظالمًا طاغيًا، فكيف يهلك ابن نوح ويبقى عوج، هذا ما ردّ به ابن كثير في قصص الأنبياء (٨٦ - ٨٧) ثم قال: (وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عنق إلا اختلاقًا من بعض زنادقتهم وفجّارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء) اهـ.


الصفحة التالية
Icon