﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ وخبره ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا﴾ (١) ويحتمل أن ﴿الَّذِينَ﴾ بدل عن الضمير في (أصبحوا)، ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ أي لم ينزلوا أو لم يقيموا أو لم يعيشوا أو لم يكونوا فيها (٢).
﴿فَتَوَلَّى﴾ أعرض عن دعوتهم عند معاينتهم البأس أو عند هلاكهم، وخاطبهم بهذا الخطاب فأسمعهم تعالى ذلك كما أسمع ثمود كلام صالح بعد هلاكهم، وأصحاب القليب كلام نبينا -عليه السلام- (٣)، وهذا دليل على جواز عذاب القبر ﴿فَكَيْفَ آسَى﴾ أحزن (٤) على سبيل النفي والإنكار.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ﴾ لما ذكر الله تعالى بعض الأنبياء على التفصيل ذكرهم على سبيل الإجمال ليعمّهم بالإخبار عنهم وليزيد وعظًا وعبرة، والآية مختصة بالذين كذبوا الأنبياء والحال تدل عليه ﴿لَعَلَّهُمْ [يَضَّرَّعُونَ﴾ أي جعلنا البأساء والضراء من دواعي التضرع والإذعان في الظاهر المعقول دون المعلوم] (٥) والمقدور.

(١) قاله الزمخشري وقال: في هذا الابتداء معنى الاختصاص - يعني الحصر - وقيل أن الخبر هو نفس الموصول الثاني وخبره فإن الموصول الثاني مبتدأ والجملة من قوله ﴿كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٩٢] في محل رفع خبر له وهو وخبره خبر الأول وتكون ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] إما اعتراض وإما حال من فاعل "كذبوا".
[الكشاف (٢/ ٩٧)].
(٢) ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وقتادة في قوله ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢]: كأن لم يعيشوا فيها. أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٣٢٦)، وابن أبي حاتم (٢٠٥٣).
(٣) أصحاب القليب هم صناديد كفار قريش عندما أمر النبي - ﷺ - يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا منهم فقذفوا في قليب بدر، وعندما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يغادر المكان وقف على شفة البئر فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: ، يا فلان بن فلان وبا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنَّا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعدَ ربكم حقًا؟! فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: يا رسول الله، ما تكلم من أجسادٍ لا أرواح لها؟! فقال رسول الله - رضي الله عنه -: "والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" والحديث أخرجه البخاري في صحيحه [(٧/ ٣٠٠)، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل - الفتح].
(٤) قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٣٢٧).
(٥) ما بين [...] من "ب" "ي".


الصفحة التالية
Icon