المقتتلين، وهذه الآية حجة في صحة الإجماع لأن الله تعالى زكاهم وعدلهم في أحكامهم.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أنكروها سرًا وجهرًا وأنكروها سرًا مع الإقرار بها جهرًا وأنكروا ظاهرها المعروف أو تفسيرها المجمع عليه أو سرها المكتوم لتعسف في التأويل من غير حجة ودليل ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ قال الخليل (١): سنطوي عمرهم في اغترار منهم، وقال الضحاك: كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة، وقال القتبي: هو أن يدنيهم (٢) من بأسه قليلًا، واستدراج الشيء تحصيله على المهلة والتدريج.
﴿كَيْدِي﴾ مكري ﴿مَتِينٌ﴾ قوي شديد وثيق ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا﴾ قيل: صعد النبي -عليه السلام- ذات ليلة الصفا فلم يزل يدعو قريشًا فَخْذًا فخذًا حتى أصبح فقال أناس منهم: أصبح الرجل مجنونًا فأنزل الله (٣)، والمراد بالاستفهام أحد شيئين: إما الحث والإغراء وإما التقرير والإثبات، أي تفكروا وعملوا ثم أنكروا وجحدوا ﴿بِصَاحِبِهِمْ﴾ الصاحب الذي بينك وبينه شأن من خلاف ووفاق.
﴿وَمَا﴾ للنفي و ﴿مِنْ﴾ لتأكيد النفي و (الجنة) و (الجنون) لكلّة البصر وكلوله ينظر بنظر القلب إن شاء الله ولذلك عم المخلوقات كلها بقوله: ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى﴾ في محل النصب معطوفًا على قوله ﴿مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ ومحل الخفض معطوفًا على قوله ﴿مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ﴾ وفائدة النظر في المخلوقات الاستدلال بها على صانعها ﴿بَعْدَهُ﴾ بعد الحديث أو بعد تمام الأجل.

(١) نقله ابن الجوزي عن الخليل كما في تفسيره: زاد المسير (٢/ ١٧٣).
(٢) في "ب": (بدينه).
(٣) روي ذلك عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله - ﷺ - فذكر القصة بكاملها. أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٦٠٢)، وابن أبي حاتم (١٦٢٤)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٣/ ١٤٩) إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ وهو مروي عن الحسن كما ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٢/ ١٧٤).


الصفحة التالية
Icon