ففروا فلما رجعوا إلى المدينة استجبنوا من الناس، فسألوا رسول الله: أنحن الفرارون؟ قال: "بل أنتم العكارون وأنا فئتكم". قال ثعلب: العكارون العطافون (١)، ثم يحتمل أن الآية مجملة لا يمكن العمل بظاهرها، وتفسيره ﴿مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] ويحتمل أنها كانت عامة يمكن العمل بظاهرها عند الإتيان على النفس، ثم خصّصها قوله: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ﴾، ثم نسخت تلك الآية بقوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦].
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ نفي هذه الأفعال عن فاعلها وإسنادها إلى الله من جهة وقوعها يومئذ معجزة إلهية خارجة عن طوق البشر والرسم الموضوع المعهود. روي أن النبي -عليه السلام- (٢) أخذ كفًا (٣) من حصى الوادي يوم بدر ورمى به في وجوه القوم وقال: "شاهت الوجوه" (٤)، وروى الزهري عن ابن المسيب أنه -عليه السلام- رمى يوم أحد أُبيَّ بن خلف (٥)، وعن عبد الرحمن بن جبير أنه -عليه السلام- دعَا بقوس في محاربة اليهود فرمى عليها بسهم إلى الحصين فأصاب كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فقتله (٦)، ﴿وَلِيُبْلِيَ﴾ معطوف على مضمر تقديره: ليهلكهم ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿ذَلِكُمْ﴾ الذي سمعتم حق أو صدق واعلموا أن الله، ويجوز أن

(١) قريبًا منه عند البخاري في "الأدب المفرد" (٩٧٢)، وأحمد (٢/ ٧٠، ٨٦، ١٠٠، ١١٠)، وسعيد بن منصور في سننه (٢٥٣٩)، وابن سعد (٤/ ١٤٥)، وابن أبي شيبة (١٢/ ٥٣٥، ٥٣٦)، وأبو داود (٢٦٤٧، ٥٢٢٣)، والترمذي (١٧١٦)، وابن ماجه (٣٧٠٤)، وابن أبي حاتم (٥/ ١٦٧١) والحديث فيه ضعف.
(٢) (السلام) ليست في "ي".
(٣) في الأصل: (أخذها).
(٤) الطبري (١١/ ٨٤، ٨٥)، وابن أبي حاتم (٥/ ١٦٧٢)، والطبراني في الكبير (٣١٢٨) وغيرهم، وسنده حسن.
(٥) الطبري (١١/ ٨٧)، وابن أبي حاتم (٥/ ١٦٧٣).
(٦) ابن أبي حاتم (٥/ ١٦٧٣).


الصفحة التالية
Icon