كَفَرُوا} [الأنفال: ٥٥] جمعهم جمع العقلاء، ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ﴾ الذين لا يسمعون إلى الحق ولا ينطقون بالحق، والمراد بالذين ﴿لَا يَعْقِلُونَ﴾ المخاذيل عن العمل بقضية العقل.
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ يدل على تفاوت طبائع السعداء والأشقياء، وأن السعيد مجبول على خير طبيعي متقدم على الخير الكسبي مظهر عند التوفيق للكسب، ثم يثمر الاستقامة، وأن الشقي غير مجبول عليه فلم (١) يستقم وإن وفق للاستماع والاعتبار.
﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ إحياء القلوب للتفكر والاعتبار بروح الإلهام والقرآن وإحياء الشهداء للثواب قبل يوم البعث، و (الحائل) الحاجز وقوله: ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ أي: يملك قلبه فيقلبه كيف يشاء إن شاء جعله مشرقًا بنور الغيب وإن شاء جعله ميتًا محجوبًا.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ عامة ما يعم الفاسق والمداهن؛ عن ابن عباس (٢). والعصبيّة عن غيره قال ابن الزبير العوام (٣) ﴿لَا تُصِيبَنَّ﴾ كالصفة للفتنة، وإنما دخلت النون المشددة بإضمار قسم: رأيت رجلًا والله لا يكون له نظير، يقيم القسم وجوابه مقام الصفة.
﴿إِذْ أَنْتُمْ﴾ عدد قليل أو شيء قليل ولو وصف آحاد الجماعة بالقلة

(١) في "ب" "ي": (فلا)، وفي "أ": غير موجودة.
(٢) الذي روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في هذه الآية أنه قال: أمر الله المؤمنين ألاَّ يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١١/ ١١٥)، وابن أبي حاتم (١٦٨٢).
(٣) لم نجدها عن ابن الزبير لكن ورد عن أبيه الزبير بن العوام في هذه الآية عن مُطَرَّف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ضيعتم الخليفة حتى قُتِل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير: إنا قَرَأْنَا على عهد رسول الله - ﷺ - وأبي بكر وعمر وعثمان ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفَال: ٢٥] ولم نكن نحسب أنَّا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٣١ - ٤٧)، والبزار (٩٧٦)، وابن عساكر (١٨/ ٤٠٥) وإسناده جيد.


الصفحة التالية
Icon