وعن الزهري أن سعيد بن المسيب خرج إلى العدو وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل: ليس عليك حرج فإن عليك صاحب ضرر فقال: استنفر الخفيف والثقيل هان لم يمكني الحرب فكثرت السّواد وحفظت المتاع، وهذه الآية منسوخة بقوله (١): ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى﴾ [التوبة: ٩١] عند بعض الناس وغير منسوخة عند الأكثرين.
﴿لَوْ كَانَ﴾ ما تدعوهم، ﴿عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا﴾ مقتصدًا دون البعيد فوق القريب، ﴿الشُّقَّةُ﴾ الناحية، عن ابن عرفة جمعه شقق (٢)، قال الفراء ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ يعلمهم كاذبين، العلم واقع على ذواتهم وأخبارهم جملة يدل عليه كسرة الهمزة من قوله: ﴿إِنَّهُمْ﴾ ودخول اللام في الخبر، ولو كان العلم واقعًا على مجرد فعلهم لكانت مفتوحة ولما دخلت اللام في الخبر، روي أن الحجاج بنيوسف أخطأ في "العاديات" فقرأ: أنَّ ربَّهم بفتح الهمزة، فلما علم أنه أخطأ استدرك بإسقاط اللام فقال: (يومئذ خبير).
﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ وإنما قدّم العفو لتلطيف العتاب كقولك: رحمك الله لم فعلت، وعافاك الله لم فعلت. كان النبي -عليه السلام- (٣) أذن في التخلف للمعتذرين إليه على الفور من غير تثبت وتمييز بين الصادقين والكاذبين معتبرًا بالظاهر من أحوالهم وكان ذلك له جائزًا لقوله: ﴿فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ [النور: ٦٢] إلا أنه سلك سبيل الرخصة وترك الاحتياط فأنكر الله ذلك عليه وبين له أنه لو فعل غير ذلك لكان أحسن وأحوط. الاستئذان المنفي عن المؤمنين استئذانهم لئلا يجاهدوا وكراهة أن يجاهدوا، والاستئذان المختص بالمؤمنين في سورة "النور" توقفهم للإذن وتركهم الانسلال والانتشار للحوائج من غير إذن الرسول -عليه السلام-.

(١) البغوي (١/ ٥٣).
(٢) قال أبو عبيدة وابن قتيبة: الشقة: السفر، وقال الزجاج: الشقة: الغاية التي تقصد، وقال ابن فارس: الشقة: مصير إلى أرض بعيدة، ويجوز ضم الشين وكسرها.
[إعراب القرآن للنحاس (٣/ ٥١)، مجاز القرآن لأبي عبيدة (١/ ٢٦٠)، زاد المسير (٢/ ٢٦٣)].
(٣) (السلام) ليست في "ي".


الصفحة التالية
Icon