فبين الله أنه أذن خير وصلاح ورحمة يؤمن بما يخبره الله ويشهد للمؤمنين بالصدق، وليس أذن شر وفساد ليصدق المنافقين في أعذارهم الكاذبة (١).
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ نزلت في جماعة من المنافقين كانوا قعدوا فيهم غلام من الأنصار، وقيل: زيد بن أرقم، وقيل: عامر بن قيس، فقال بعض المنافقين: إن كان ما يقوله محمَّد حقًا فإنّا شرٌّ من حمار، وقال له المؤمن: والله إن ما يقوله محمَّد لحق وإنكم لشر من حمير، فخاصمهم وخاصموه ثم رافعهم إلى رسول الله (٢) وأخبره بمقالتهم وأنكروا وحلفوا فاستحى المؤمن من ذلك، وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تفرق الصادق من الكاذب فأنزل (٣)، قيل: واعترف الجلاس فاستغفر له (٤) النبي -عليه السلام- (٥) فخلص وحسُن إسلامه (٦). و (إرضاء الله) لفظ مجاز (٧) وحقيقته إتيان ما يرضاه الله من الفعل والتغيير حاصل في مبتغى الرضا دون الله.
﴿يُرْضُوهُ﴾ عائد إلى الله، وقيل: إلى رسوله (٨)، وهذا لكراهة الجمع

(١) قريبًا من هذا ذكره عن السدي ابن أبي حاتم (٦/ ١٨٢٦).
(٢) في "ب ": (رسول الله - ﷺ -).
(٣) ذكره ابن أبي حاتم (٦/ ١٨٢٨)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٣/ ٤٦٠) عن السدي. وذكر فقط عامر بن قيس.
(٤) في "أ": "لهم".
(٥) (السلام) ليست في "ي".
(٦) الجلاس بن سويد بن الصامت الأنصاري كان من المنافقين ثم تاب وحسنت توبته وإسلامه، وهو ممن تخلف في غزوة تبوك حتى نزل فيهم قرآن، وهو معدود في الصحابة الكرام -رحمه الله -.
[الإصابة (١/ ٥٩٩)، أسد الغابة (٧٦٩)، الاستيعاب (٣٥٤)].
(٧) لأن المؤلف أشعري فهو يؤول كل صفة لله باستثناء الصفات الثمانية التي يثبتها الأشاعرة.
(٨) الأظهر أنه عائد عليهما جميعًا، أي أن الضمير عائد على الله وعلى رسوله لأن رضاء الله ورسوله شيء واحد من أطاع الرسول فقد أطاع الله. وقيل: إن الضمير عائد على المئنى بلفظ الواحد بتأويل المذكور، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
فيها خطوط من سوادٍ وبَلَقْ كأنهُ في الجلد تَوْليْعُ البَهَقْ
أي كان ذاك المذكور. =


الصفحة التالية
Icon