﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ أراد التنبيه على توفيق الله وعصمته ونفي الزنا والعجب ﴿إِلَّا مَا رَحِمَ﴾ استثناء منقطع (١)، أي لكن من رحم ربي فهو المعصوم، وقيل: استثناء متصل تقديره إلا رحمة من ربي، وقيل: هو كلام المرأة برأت يوسف ولم تبرىء نفسها.
﴿أَسْتَخْلِصْهُ﴾ أجعله من خواصي كي لا يشغل إلا بمصالح أمري، فلما دخل عليه يوسف كلمه بلسان أهل مصر فجعل الملك يكلمه بألسنة أخرى وجعل يوسف يجيبهُ بتلك الألسنة حتى تكلما سبعين لغة، ثم إن يوسف دعا له بالعبرية وأثنى عليه بالعربية فلم يعرفها الملك وانقطع عن الجواب، واستحسن جميع ذلك من يوسف فقال: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ المكين اسم من المكان والتمكين قيل: دعاه إلى توحيد الله فأجابه الملك في هذا اليوم طائعًا راغبًا فقوله: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ إيمان واعتراف منه له، وقيل: جعله مكينًا أمينًا هذا اليوم في أمور الدنيا والإِسلام تأخر عن ذلك اليوم إلى سنتين، وقيل: تأخر إسلامه إلى سني القحط.
﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ خطب هذا العمل بإذن الله تعالى ليتم القضاء المعدود فيه وفي إخوته في (٢) أهل مصر أجمعين. جاء في التواريخ أن الملك ولاه حفظ خزائن الارتفاعات يومئذ، ومات العزيز بعد ذلك فولاه جميع ما كان يتولاه العزيز، وزوَّجه امرأته فوجدها بكرًا لم تفض، ثم تأمل في حسن تدبيره وكيفية ادِّخاره الميرة وإنفاقها وبيعها من الناس، زاد في رتبته وسلم إليه الخاتم والسرير والتاج، فقال يوسف -عليه السلام-: أما
[الكشاف (٢/ ٣٢٧)، الإملاء (٢/ ٥٤)، المحرر (٩/ ٣٢١)].
(٢) في "أ" "ي": (وفي).