﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ أي المثل الحق والمثل الباطل ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ أي كل واحد من الزبدين يزول على وجه ما تربد (١) عليه متلاشيًا فيصفو ما تحته كما تصحو السماء إذا انقشع عنها الغيم. قال أبو عمرو بن العلاء (٢): أجفان القدر إذا غلت فعلاها الزبد فإذا سكنت لم يبق منه شيء، وقال أبو عبيد الهروي (٣): جفا الوادي (٤) وأجفى (٥) إذا لقي غثاء على جانبيه وأجفان القدر إذا ألقت زبدها فيمكث فيلبث، هذا هو المثل المضروب للحق والباطل، فالماء المنزل مثل القرآن والوحي والإلهام والرؤيا النبوية، والأودية مثل القلوب من هذه العلوم مقدار ما تسعه، والسيل مثل العلم الحاصل من هذه الجهات، وزبده مثل ما يلقي الشيطان في الأمنية أو يوسوس في التأويل، وما يذوب على النار من جواهر الحلي والأمتعة مثل العلم المكتسب بالقرائح وإعمال الفكر في الاعتبار والاجتهاد وزبده هو أحسن النفس الأمارة بالسوء ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] ويهدي الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، ويبطل الآراء المدخولة بالرأي المتين الحنيفي ليتم نوره ولو كره الكافرون (٦).
﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ عليهم اللعنة، والسلام مكان على، ويحتمل أن اللام لازدواج الكلام واعتبار قوله: ﴿لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ ويحتمل أن المراد به حظهم ونصيبهم ونعمتهم، وهذه الأشياء تضاف باللام.
﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يعطي الفضل ﴿وَيَقْدِرُ﴾ في عطي ما لا يكفي الأقل منه ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ في قياس الآخرة وإضافتها إليها.

(١) في "أ" "ي": (تريد).
(٢) ذكره القرطبي عنه في تفسيره (٩/ ٣٠٥).
(٣) نقله ابن منظور عنه في لسان العرب (٢/ ٣٠٤) (جفأ).
(٤) في "أ" "ي": (للوادي).
(٥) في الأصل: (والجفاء).
(٦) في "ب": (المشركون).


الصفحة التالية
Icon