﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ الذين يصفونه بالتعطيل عن الصفات (١).
﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ صور الجهل عقلًا والأماني براهين ووسوس بالملاذ العاجلة حتى يؤثرها على المصالح الآجلة ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ﴾ لانعقاد أسباب الاتحاد (٢) بينه وبينهم بعد انحدارهم عن التوفيق إلى الخذلان.
﴿الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ هو قيام الساعة، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)﴾ [الذاريات: ٨، ٧]، وقال: ﴿النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)﴾ [النبأ: ٢، ٣] وقيل: هو القرآن، فقيل: إنه سحر وشعر وكهانة يدل عليه قوله: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، ثم ترتب عليه بفعل آخر فيه التعرف بصفات الفعل والوجدان لاعتبار أن الجمع والجنس قريبين.
﴿فَرْثٍ﴾ رجيع (٣) في الكرش والأمعاء ودم في العروق (٤). ﴿لَبَنًا﴾ هو الحليب الطيب لا يشبه المجاورين الخبيثين في طعم ولا لون ولا رائحة ولا طبيعة مع لطافته وسرعة استحالته، وأنه يجري من الطعام والشراب ويتخذ منه الحلو والحامض والمالح والرقيق والخاثر والمنعقد، ينفع كل واحد لشيء ويستلذ بكل شيء. وقال -عليه السلام-: "إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر" (٥).

(١) الذي يكرهونه هو نسبة البنات إليهم وينسبونه إلى الله، فإذا كان ذلك صفة نقص بالنسبة لكم فكيف تنسبون صفة النقص هذه -على حد زعمكم- إلى الله فهذا من تعطيل صفات الكمال إلى الله ووصفه بصفات النقص، وهذا معنى قول المؤلف: يصفونه بالتعطيل عن الصفات أي صفات الكمال.
(٢) في "ب": (الانعقاد).
(٣) في "أ" "ي": (وجع) وهو خطأ.
(٤) كما نقل القرطبي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إن الدابة تأكل العلف فإذا استقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثًا وأوسطه لبنًا وأعلاه دمًا، والكبد مسلط على هذه الأصناف فتقسم الدم وتميزه وتجريه في العروق وتجري اللبن في الضرع ويبقى الفرث كما هو في الكرش ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥)﴾ [القمر: ٥].
[تفسير القرطبي) (١٠/ ١٢٤)].
(٥) أحمد (٥/ ٣١٤)، والنسائي في الكبرى (٦٨٦٣، ٦٨٦٤)، وعبد بن حميد (٥٦٠)، =


الصفحة التالية
Icon