حتى حسده على ذلك مرازبة بخت نصر، فأنكروا ذلك عليه فاتهموه في ذلك ورموا دانيال -عليه السلام- بالسحر فلم يلتفت بخت نصر إلى شيء من قولهم حتى قالوا: إنه يعبد غير معبودك، فأمر بخت نصر أن يحضر صنمه على رؤوس الناس ودعا له دانيال -عليه السلام-، فقال: إذا رأيتني وقومي نسجد لهذا فاسجد معنا، ثم خرّ بخت نصر ساجدًا مع قومه أجمعين وأبى دانيال -عليه السلام- أن يسجد وقال: قد أعلمتك أيها الملك أول مرة أن الله تعالى (١) نهاني أن أسجد لغيره، فغضب عليه لمخالفته وبنى له بنيانًا فألقاه في الجحيم فجعلها الله عليه (٢) بردًا وسلامًا. فلما رأى ذلك بخت نصر منه دعاه واستصفاه واعتذر إليه وأطلق جميع من كان عنده من بني إسرائيل في السجن فأحسن إليهم.
ثم إن الله تعالى ابتلاه ثانية برؤيا هائلة وأنساها إياه فذكر ذلك لدانيال -عليه السلام-، قال دانيال: رأيت شجرة لفاء عظيمة أصلها في الأرض ورأسها في السماء ذات فروع باسقة وأغصان أنيقة، ورأيت عليها كل طير في الأرض معششة مع فراخها حتى امتلأت تلك الشجرة وما ولاها، فبينا أنت تنظر (٣) إليها وتتعجب من عظمها وكثرة ما اكتنفها من الطير إذ أقبل ملك من السماء ليجتثها من أصلها فنودي من السماء أن اجتث بعضها ودع بعضها فإنها نفاسة، فأبان أغصانها وبقي ساقها على حالها ونفرت ما كان عليها من الطير، قال بخت نصر: صدقت هذه رؤياي ما خرمت منها شيئًا فما تأويلها؟ قال دانيال -عليه السلام-: أما الشجرة فملكك الواسع العظيم، وأما الطير فجنودك، وأما الاجتثاث فذهاب ملكك وإبادة سلطانك، وأن الله تعالى ماسخك سبع سنين على صورة (٤) كل طائر (٥) ودابة عقوبة لك على ما كان من هدمك بيت المقدس ونقلك منبر سليمان واستخفافك بالأنبياء
(٢) (عليه) ليست في "ب".
(٣) في "أ" "ي": (ينتظر).
(٤) في "ب": (هيئة).
(٥) في "ب": (طير).