ولا يخبركم بالثالثة إن كان نبيا فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب (١) عن هؤلاء الخصال فلم يدر ما هو، وقد زعمتم أنه يتعلم من مسيلمة الكذاب، قال: فرجعت الرسل إلى قريش بما ذكرنا في الحديث، فلما وافق قول اليهود قالوا: ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨] (٢).
﴿وَلَئِنْ شِئْنَا﴾ اتصالها بها من حيث إتيان العلم ويحتمل أنها شبه وعيد بعد احتباس على ترك الاستثناء، ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ﴾ أي: لا تجد شيئًا تتوكل عليه واسترداد ما ذهبنا به.
﴿إِلَّا رَحْمَةً﴾ قال الفراء (٣): هذا كقوله: ﴿إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾ [يوسف: ٦٨]، ويحتمل أن الاستثناء متصل وأن الرحمة مستثناة من الموجود المنفي وهو أن يتوكل على رحمة الله ويستشفع إلى الله برحمته في استرداد ما ذهب به.
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ﴾، قال الفراء (٤): (لئن) تلا مرفوع لأنه كاليمين وقد حرم بعض القراء ﴿ظَهِيًرا﴾ معيبًا وفيها (٥) دلالة على أن ما ألقى الشيطان في سورة "والنجم" وهو قوله: (تلك الغرانيق العلى منهن شفاعة ترتجى) لم يكن بمثل القرآن على ما فيه من الفصاحة والجزالة والجريان على لسان ذي الرسالة والتباسه بالقرآن عند أهل المقالة إلى أن نسخه الله بقوله: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾ [النجم: ٢١، ٢٢] فاتصل هذا الناسخ بالإنكار السابق وهو قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)﴾ [النجم: ١٩، ٢٠]، اتصالا يتبين فيه صدر الكلام إليه وانفتح عوار إجازة الشيطان لديه واستقامت دعوى الإعجاز من بعد ما كادت تميل.

(١) (الكذاب) ليست في الأصل.
(٢) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٩/ ٤٨٠، ٤٨١) وعزاه لأبي نعيم في "الدلائل" من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا سند تالف.
(٣) ذكره الفراء في معانيه (٢/ ١٣٠).
(٤) ذكره الفراء في معانيه (٢/ ١٣٠).
(٥) في الأصل و"ب": (وفيه).


الصفحة التالية
Icon