ما تضمنه الحديث ﴿حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ واجبًا لازمًا (١)، وإيجاب الله على نفسه مجاز (٢)، وحقيقة وجوب وعده وتأكد قضائه وصدق قوله وانبرام (٣) حكمه على وجه لا يليق بربوبيته غيره، قيل: الورود غير الدخول، كقوله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣].
وعن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت: كان (٤) النبي -عليه السلام - (٥) في بيت حفصة وقال: "لن يدخل النار إن شاء الله أحدًا شهد بدرًا والحديبية" فقالت: ألا تسمع إلى قول الله (٦): ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ الآية، فقال: "ألا تسمعين ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الآية (٧)، وقيل: الورود الدخول وهي في حق الناجين جامدة ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ ناديًا وهو المجلس الذي يشهدُه العشيرة والجيران، ويشبه جدال هؤلاء المشركين بقول فرعون: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: ٥١] وقول أحد الرجلين في جنته: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣٥] سبحان الله ما أجمعهم على وتيرة واحدة حتى كأنهم تواصوا بها وتواطؤوا عليها مع بعد الديار واختلاف الأعصار (٨).
﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ مجاز فواجب على الله أن يمد له في الدنيا، وحقيقته ليظن له المد من قضاء الله وقدره، وهذه قريبة من قوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ﴾ [الزخرف: ٣٣] الآية. وفي هذا المعنى قوله - ﷺ -: "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تميلها الرياح (٩) مرّة ها هنا

(١) (واجبًا لازمًا) ليست في "ب".
(٢) الأصل في اللفظ أن يجري على الحقيقة فيما يخاطبنا الله به حتى في أوصافه جلَّ وعلا، إلا إذا تضمن الظاهر نقصًا، لكن إلزام الله -عَزَّ وَجَلَّ- لنفسه لا يتضمن نقصًا بوجه من الوجوه فيجري على الحقيقة، والله أعلم.
(٣) في الأصل: (والتزام).
(٤) في "ب": (كانت).
(٥) (السلام) ليست في "ي".
(٦) في "أ": (قوله) بدل (قول الله).
(٧) لم نجد هذا الحديث فيما بين أيدينا من المصادر.
(٨) في الأصل: (الديار).
(٩) (الرياح) من "ي" فقط.


الصفحة التالية
Icon