فقعد فيها إلى جنب إبراهيم يؤنسه، ثم إن عدو الله ركب مركبًا له فمرّ بالنار وقد خبت وقد احترقت الجدر وذاب النحاس والحديد وصار الوقد والبناء رمادًا وأعاصير، وكانت الوطاويط يعني الخطاطيف يومئذ تطفئ عن إبراهيم النار، وكانت الأوزاغ تنتفخ عليه وتلهب عليه، قال أصحاب الملك: ما بقي شيء قد أراحنا الله من عدونا وأهلكه بأسوأ قتلة وشفي الملك منه وشفانا منه، وصارت النار رمادًا، فأنغض نمرود برأسه وقال: إني رأيت في المنام كأنما هذا الحيز وخرج إبراهيم من النار سليمًا (١) يحمد لم يُكلم وأنا طلبناه فلم تقدر لها (٢) عليه، فانظروا فإنه سيخرج منها سليمًا لم يُكْلم، قال أصحابه: أين ذهب الملك إن الحلم ليصدق ويكذب وأظن ذلك بكذب، قال نمرود: فابنوا لي صرحًا على أشرف النار فانظر في قعرها، ففعلوا فأشرف عليها ورأى إبراهيم -عليه السلام- (٣) جالسًا، ورأى رجلًا مثله على صورته بروح إبراهيم -عليه السلام- (٣) فناداه نمرود: يا إبراهيم الذي بلغت قدرته أن حال بينك وبين النار هل يستطيع أن يخرجك؟ قال إبراهيم: نعم، فخرج إبراهيم فاجتمع الناس فقالوا: من الرجل الذي كان معك؟ قال: ملك الظل، وهو الذي أيدني ربي به (٤) وأوحى الله إلى النار فقال: يا نار كوني بردًا وسلامًا فكانت عليّ كما قال.
ثم خرج إبراهيم إلى أمه حتى قعد إلى جنبها وهي في المجمع، فأقبلت سارة بنت هارون وكانت أول من آمن بإبراهيم حتى جلست إلى جنبه إيمانًا به وتعجبًا لما صرف عنه وقالت: يا إبراهيم إني آمنت بالذي جعل النار عليك بردًا وسلامًا، فقال لها إبراهيم: احذري القتل على نفسك، قالت: وكيف أخاف شيئًا وقد آمنت بربّ إبراهيم، إن الذي منع إبراهيم فما تزين لقادر على أن يمنعني، قال: وقال نمرود لأصحابه: قد أخبرتكم بالرؤيا التي رأيت مع ما كنا نجد في النجوم من ذكر إبراهيم

(١) في "ب": (سليمًا من النار).
(٢) (لها) ليست في "ي" "أ".
(٣) (السلام) ليست في "ي".
(٤) في "أ": (به ربي).


الصفحة التالية
Icon