قصر مشيد (١) مقطع بالحجر، ولكل قطعة باب يسير إلى التل يسكن فيها أحراسها وخدمها، فكان إذا دخل عليها قوادها ورؤساء أهل مملكتها من وراء حجاج، فإذا حزبها أمر أسفرت لهم عن وجهها.
وكان لها أربعة وعشرون قائدًا تحت كل قائد ثلاثون ألف رجل، وكان اثنان وعشرون وزيرًا، فقالت لوزرائها: ما كان يعبد آبائي الماضون؟ قالوا: كانوا يعبدون إله السماء، قالت: وأين هو؟ قالوا: هو في السماء وعلمه في جميع الأرض، فقالت: كيف أعبده وأنا لا أراه ولست أعرف شيئًا أنور نورًا من الشمس فهي أولى بالعبادة، ثم عبدت الشمس من دون الله وحملت قومها على عبادتها، فكانوا يسجدون لها إذا طلعت وإذا غربت.
فانصرف الهدهد إلى سليمان -عليه السلام- فأخبره بأمرها فكتب إليها ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)﴾، فحمل الهدهد الكتاب وأقبل به حتى دخل عليها وهي في مجلسها بينها وبين قومها ستارة وتكلمهم من ورائها، فكان دخوله عليها من كوة في جدار ذلك المجلس، فقذف الكتاب في حجرها ففزعت منه، فلما قرأته قالت للهدهد: من أرسلك بهذا الكتاب؟ قال: أرسلني نبي الله سليمان بن داود -عليه السلام-، قالت: وأين هو؟ قال: معسكر بجنوده من الجن والإنس والطير على تخوم أرضك. فعندها قالت: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ إلى قوله: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ فأهدت سليمان ألفي فرس مجللة بالحرير، وألف وصيف وألف وصيفة، وركبوا تلك الخيول منها ألف فرس ذكور وعليها الوصفاء، وألف إناث وعليهن الوصائف مسورين بأسورة الذهب مكللين بالتيجان، وأرسلت إليه بحُقِّ مصمت (٢) لا ثقب فيه وفي جودها مائة ياقوتة (٣)، فانبرت للحق دودة - تكون اليوم في
(٢) (مصمت) ليست في الأصل.
(٣) في "أ": (يا قوم).