فقال لها سليمان: يا أمة الله أدعوك إلى توحيد الله وتعظيمه وخلع ما تعبدين من دونه فيكون لك ما لنا وعليك ما علينا، فإن أبيت فأذني بحرب من الله ورسوله ولن يعجز بهما، فقالت: قد فهمت مقالتك أيها الملك ولست أعرف عنه أمرك إنك نبي أم ملك، وإني سائلتك عن ثلاثة أمور (١) فإن أخبرتني بها علمت أنك نبي ودخلت في دينك، وإن لم تعرفها علمت أنك ملك ثم انظر في محاربتك ومسالمتك.
قال: سلي ما بدا لك لأخبرك بما يوحي إلي فيه ربي.
قالت: فأخبرني عن شبه الولد بأبيه وآخر بأمه، وائتني بماء ليس من أرض ولا سماء، وصف لي صفة ربك لأعرفه.
فقال: أما صفة الولد وشبهه فإن نطفة المرأة إذا سبقت نطفة الرجل أشبه الولد أمه، وإذا سبقت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه الولد أباه.
وأما الذي سألت أن ليس من أرض ولا سماء فإني آتيك به الساعة، فأمر راضة الخيل فأجروا الخيل حتى عرقت فملؤوا من ذلك العرق قلة فأتوها بها.
فأما الثالثة قالت: فأخبرني عن المسألة، قال: حتى يوحى إليَّ فيها، قال: فأوحى الله تعالى إليه أني قد أنسيتها المسألة الثالثة فقل لها: ما كانت مسألتك الثالثة؟ قالت: ما سألتك غير هاتين المسألتين وقد أجبت عنهما وأنا ناظرة يومي هذا في أمري وعائدة عليك غدًا بما أرى.
ثم قامت فيمن كان معها من عظماء قومها فانصرفت إلى معسكرها فجمعت إليها من كان معها فقالت: إن هذا الرجل نبي مكرّم فما الذي ترون؟ قالوا: أنت أفضلنا رأيًا فافعلي ما بدا لك وفيه صلاحك وصلاح قومك، قالت: قد رأيت أن أسالمه (٢) وأدخل في طاعته لئلا يستبيح بلدتي ولا يسبي الذراري ولا يقتل المقاتلين قالوا: الرأي ما رأيت.
(٢) في "أ" "ب": (أسأله).