﴿وَلَوْ دُخِلَتْ﴾ أي المدينة ﴿مِنْ أَقْطَارِهَا﴾ أطرافها ونواحيها ﴿ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ﴾ أي طلبوا الكفر ﴿وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا﴾ أي لو أتوا الفتنة لما أمهلهم الله إلا قليلًا، ويحتمل أنهم أتوها ولم يلبثوا بها لأتوها (١) وبالثبات على الإيمان إلا قليلًا عاهدوا الله من قبل، يعني بيعة العقبة قبل الهجرة فعقد عليهم ذلك العقد العباس بن عبد المطلب لرسول الله (٢) بإذن الله تعالى.
﴿الْمُعَوِّقِينَ﴾ المثبطين، والعائق الصارف عن القصد (٣) ﴿هَلُمَّ﴾ كلمة دعوة، قيل: أصلها هل الاستفهام (٤) والأمر من أم يؤم.
﴿أَشِحَّةً﴾ الظاهر أنه الشح يمنع الموالاة والنصر. وذكر الكلبي أنه يمنعهم النفقة عن إخوانهم الذين كانوا في المعسكر ﴿تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ﴾ في مماليقهم ﴿كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ للدهش والحيرة ﴿سَلَقُوكُمْ﴾ سلخوكم نقول سلقته بالسوط وسلقت اللحم عن العظم ومنه السلاق، وهو يقشر جلد اللسان، ولكنه مستعار في الجهر بالقول السيء ورفع الصوت، ومنه خطيب سلاق. وفي الحديث: "ليس منا من سلق أو حلق" (٥) وفي الحديث: "لعن الله السالقة" (٦) ﴿حِدَادٍ﴾ جمع حديد وهو ذو الحدَّة.

(١) (بها لأتوها) ليست في "ب" "ي".
(٢) في "ب": (لرسول الله - ﷺ -).
(٣) قاله الجوهري في تهذيب اللغة (٣/ ١٨)، إذا أردت أمرًا فصرفك عنه صارف تقول: عاق يعوق عوقًا، والتعويق ترييث الناس عن الخير.
(٤) "هَلُمَّ" قال في اللسان (١٢/ ٦١٧) بمعنى أقبل، وهذه الكلمة تركيبية من "ها" التي للتنبيه ومن "لم" ولكنها قد تستعمل استعمال الكلمة المفردة البسيطة. قال الزجاج: زعم سيبويه أن هلم "ها" ضمت إليها "لم" وجعلتا كالكلمة الواحدة، وأكثر اللغات أن يقال هلم للواحد والاثنين والجماعة وبذلك نزل القرآن: ﴿هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ [الأحزاب: ١٨] ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ﴾ [الأنعام: ١٥٠] قاله سيبويه: وهي لغة أهل الحجاز، وما ذكره المؤلف من أنها بمعنى الاستفهام وأنها بمعنى هل فقد ذكره ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (٦/ ٦٠ هلم) وقال: أصلها هل أؤم كلام من يريد إتيان الطعام.
(٥) أحمد (٤/ ٤١١، ٤١٦)، وإسحاق بن راهويه (٢٣١٨، ٢٣١٩)، وابن حبان (٣١٥١) والحديث ضعيف والبعض يحسنه.
(٦) ابن حبان (٣١٥٢)، والحديث صحيح. وانظر: غريب الحديث لابن الجوزي (١/ ٤٩٣)، والنهاية في غريب الحديث (٢/ ٣٩١).


الصفحة التالية
Icon