القبر كقوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر: ٤٦] وقوله -عليه السلام-: (القبر روضة من ري اض الجنة أو حفرة من حفر النار" (١).
إن ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ يحتمل كون أنفسهم اللطيفة في النار قبل مجيء القيامة وانفطار السماء وتبدل الأرض وبعثرة ما في القبور والاستثناء حالة الرقدة (٢) والصعقة، ويحتمل أن المراد بالسماوات سقوف النار ودركاتها والاستثناء حالة العرض والحساب أو حالة عقوبة الاستهزاء، ويحتمل أن المراد ببقاء السماوات والأرض بقاء أجزائهما لا بقاء تأليفهما ولا دلالة على فناء الأجزاء المتلاشية بعد الوجود والاستثناء حالة الدنيا.
وقيل: جرى مجرى الأمثال كقولهم: لا آتيك سنا الخيل ومِعْزَى الفِزْرِ (٣)، وقيل: مقدار دوام السماوات والأرض.
﴿إِلَّا مَا شَاءَ﴾ الله (٤) ﴿رَبُّكَ﴾ من الزيادة قاله الفراء (٥)، وقيل: ما شاء ربك من شاء ربك، وهم طائفة من أهل الإيمان جمعوا بين شقوة المعاصي وسعادة الإيمان فهم مستثنون من الأشقياء لانقطاع خلودهم مستثنون من السعداء لتأخر دخولهم، والمراد بكونهم في الجنة برفقة

(١) هذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة منهم أبو هريرة، كما عند الطبراني في الأوسط (٨٦١٣)، والحاكم (٦١٧٦)، وأبو سعيد الخدري كما عند الترمذي (٢٤٦٠)، وابن عمر كما عند البيهقي في "عذاب القبر" (٥٠)، وسهل بن سعد الساعدي كما عند الطبراني في الكبير (٥٦٥٨) والحديث بكل طرقه ضعيف.
(٢) في "أ": (القدوة).
(٣) الجملة الثانية من المثل وهي "لا آتيك مِعْزَى الفِزْرِ" ذكرها الميداني في مجمع الأمثال (٣/ ١٥٣)، والفِزْرُ: لقب سعد بن زيد مناة بن تميم، وإنما لقب بذلك لأنه وافى الموسم بمعزى فانهبها هناك وقال: من أخذ منها واحدة فهي له ولا يؤخذ منها فِزْر- وهو الاثنان فأكثر- ومعناه لا آتيك حتى تجتمع تلك وهي لا تجتمع أبدًا.
(٤) (الله) من الأصل فقط.
(٥) ذكره الفراء في معانى القرآن (٢/ ٢٨) وجوز الفراء أن يجعل "سوى" مكان "إلا" وقدر الآية: خالدين فيها ما كانت السماوات وكانت الأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد.


الصفحة التالية
Icon