وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الآية نزلت في عمرو بن غزية الأنصاري وكان يبيع التمر فأتته امرأة تبتاع منه تمرًا فأعجبته فقال: إن في البيت تمرًا أجود من هذا فانطلقي حتى أعطيك منه، قال: فانطلقت معه المرأة فلما دخلت المرأة بيته فوثب إليها فلم يترك شيئًا مما يصنع الرجل بالمرأة إلا وقد فعله إلا أنه لم يجامعها وحذف شهوته، فلما حذف شهوته ندم على ما صنع بالمرأة فاغتسل، ثم أتى النبي -عليه السلام- يسأله عن ذلك، فقال رسول الله - ﷺ -: ((ما أدري ما أردّ عليك حتى يأتيني فيك شيء من الله" قال: فبينما هم كذلك إذ حضرت العصر فلما فرغ من صلاته نزل جبريل -عليه السلام- بتوبته فقال: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ الآية فقرأها رسول الله من القرآن، فقال عمر بن الخطاب: أخاص أو عام؟ قال: "لا، بل عام" (١).
﴿أُولُو بَقِيَّةٍ﴾ أُولُو بقاء على أنفسهم لتمسكهم بالدِّين، ويحتمل بقية سنن الصّالحين، أي هذا كان منهم من يتمسك بالبقية من سنن آدم وشيث وإدريس -عليهم السلام- ﴿يَنْهَوْنَ عَنِ﴾ البدع ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿قَلِيلًا﴾ نصب على الاستثناء (٢)، (الإتراف): الإنعام فوق المقدار والكفاية.
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ أي ما كان ليهلكهم بذنب وأهلها موحدون، وقيل: ما كان ليهلكها وأهلها متمسكون بعدل السيرة، وقيل: ما كان ليهلكها بظلم نادر واهلها غير مستحقين للعقاب، وقيل: ما كان بظالم لو أهلكها وإن كان أهلها مصلحين. ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ إشارة أن يكونوا أمة واحدة على الإسلام، وقيل: للاختلاف، وقيل: للإمساك عن الاختلاف، وقيل: للاستثناء بالرحمة.
﴿فِي هَذِهِ﴾ إشارة إلى السورة.

(١) ذكره ابن الأثير في "أُسد الغابة" (٢١٥) في ترجمة عمرو بن غزية وعزاه لابن مندة، وأبو نعيم من طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وانظر: الإصابة لابن حجر (٤/ ٦٦٨)، ورواه الطبري في تفسيره (١٢/ ٦٢٦).
(٢) يجوز في "قليلًا" أن يكون استثناءً منقطعًا وذلك أن يحمل التحضيض على حقيقته، والثاني: أن يكون استثناءً متصلًا وذلك بأن يؤؤَّل التحضيض بمعنى النفي فيصح ذلك.
[الكشاف (٢/ ٢٩٨)].


الصفحة التالية
Icon