﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ لسؤالهم معنيان:
أحدهما: أنهم سألوا ذلك على سبيل الاستهزاء وقلة المبالاة كقول آخرين ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف: ٧٠]، وقال: ﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية.
والثاني: أنهم تبرّموا بالعافية فحملهم السفاهة (١) على أن يشتهوا البلاء كقول بني إسرائيل: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ [البقرة: ٦١] الآية.
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ له معنيان على سبيل المجاز:
أحدهما: أن الله -عَزَّوَجَلَّ- جعل أخبارهم مستفيضة يتحدث الناس على سبيل الاعتبار.
والثاني: أن الله تعالى خرب ديارهم ومحا آثارهم وأبقى (٢) أحبارهم فكأنهم صاروا أحاديث، ويعني على الحقيقة وهو تقليب (٣) الجوهر عرضًا.
وبقاء العرب من نسل هؤلاء ليس بمخالف الآية لأن الله تعالى إذا أهلك قومًا أنشأ من ذريتهم قومًا آخرين، هذه سنة الله في عباده، ولقد صدق عليهم الظاهر أنهم في شأن آل سبأ، ويحتمل في شأن جميع الناس.
﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ له معنيان:
أحدهما: التمكين من غرورهم وسوستهم بتمكين.
والثاني: الشبهة التي خلقها الله تعالى ليستدل بها الشيطان فيما يوسوس به الناس ويريه أنها البرهان.
﴿زَعَمْتُمْ﴾ من دون الله أنهم آلهة فبيّن الله تعالى أنهم لا يملكون شيئًا وهم مملكون ولا يعينون الله على شيء وهم معانون.

(١) في "ي" "أ": (النفاهة).
(٢) في الأصل: (واتقى).
(٣) في الأصل: (يقلب).


الصفحة التالية
Icon