وينحب، ثم سقط مغشيًا عليه يومًا وليلة، ثم أفاق حتى أصبح، فمكث بذلك المكان شهرًا يبكي بدمع هتين وقلب حزين حتى نبت العشب في ذلك المكان من دموع عينيه، فرحم الله طول بكائه وتضرعه فأوحى الله إليه: أن ارفع رأسك يا داود فقد غفرنا لك، فقال إلهي وكيف تغفر الذنب (١) وأنت عدل لا تجور؟ فأوحى الله إليه أن أري أوريا في الجنة ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت فيسألني لمَن هذا يا رب؟ فيقول لمن غفر لأخيه ذنبه إليه.
فقال إلهي وسيدي علمت الآن أنك غفرت لي، ثم لم يزل باكيًا على خطيئته أيام حياته، وكان يلبس الصوف ويفترش الشعر ويصوم يومًا ويفطر يومًا على خبز شعير بملح مريش، فكان إذا ذكر خطيئته خرّ مغشيًا عليه حتى ربط الله بالصبر والإيمان فألقى في قلوب بني إسرائيل أن يخرجوا في طلبه ويردوه إلى دار مملكته فإن داود -عليه السلام- ولد له سليمان من تلك المرأة واسمها شائع (٢).
﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ خاطب الذي تصور له أنه مظلوم دون الذي تصور له أنه ظالم إعزاز الذليل وإهانة (٣) ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ يجوز أن يكون من كلام داود -عليه السلام-، ويجوز أن يكون كلامًا عارضًا في أثناء القصة من (٤) جهة الله، ويجوز أن يكون من كلام الخصمين بإضمار القول ﴿الْخُلَطَاءِ﴾ جمع خليط وهو الشريك ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ﴾ أي علم وتيقّن ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ يجوز أن تكون (ما) صلة وبجوز أن تكون اسمًا، أي قليل الذين يؤمنون. و ﴿أَنَّمَا﴾ هي التي تدخل الحرف الناصب على الأفعال.

(١) (الذنب) من "ب".
(٢) هذه القصة ذكرت في كتب التفسير بروايات عدة ومعناها واحد. وهي كلها إسرائيليات.
وقد استنكر القصة ابن كثير في البداية (٢/ ٣٠٩) وجزم بكذبها.
(٣) (إعزاز الذليل وإهانة) ليست في "ب".
(٤) في الأصل (من الله جهة الله).


الصفحة التالية
Icon