قبل أن تجف طينة (١) الكتاب وشنع، فقال النبي -عليه السلام- (٢): "ذلك الكتاب في الرجال دون النساء" فأنزل الله الآية (٣) ورضي الفريقان به جميعًا، وقيل: ولم يرض المشركون بشيء فأنزل الله تعالى على رسوله قوله: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا﴾.
﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ قيل: استوصفوا الإيمان، وقيل: كان رسول الله - ﷺ - يستحلف المرأة بالله أنها لم تخرج مغاضبة لبعض أهلها ولا متعشقة لبعض المسلمين ولا طالبة للدنيا ولكنها خرجت لوجه الله وحده لا شريك له (٤)، فإيمانهن إيمان القلب ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾ إيمان اللسان، وحكم قوله: ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ باق، وحكم قوله: ﴿وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا﴾ منسوخ، وحكم قوله: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا﴾ منسوخ، والنسخ بالسنة المتواترة بعد انتهاء الموادعة (٥)، وحكم قوله ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ باقٍ، وذهب الشيخ أبو جعفر (٦) إلى أن هذه الآية متأخرة عن قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: ٢٢١].

(١) في الأصل: (طيبة).
(٢) (السلام) ليست في "ي"، وفي "ب": (النبي صلى الله -عليه السلام-).
(٣) زاد المسير (٨/ ٢٣٨).
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (٢٢/ ٥٧٥)، والبزار (٢٢٧٢) وفيه عطية العوفي وهو ضعيف، ويغني عنه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله يُمْتَحَنَّ بقول الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ...﴾ الآية قالت عائشة: فمن أَقَرَّ بهذا من المؤمنات فقد أقرَّ بالمحبة... " الحديث أخرجه مسلم في صحيحه (١٨٦٦)، وأخرجه البخاري في "تغليق التعليق" (٤/ ٣٣٩)، والبيهقي (٩/ ٢٢٨).
(٥) يتنزل هذا الحكم الذي في الآية على الصلح الذي كان بين النبي - ﷺ - وبين قريش، والمعنى كما قال مجاهد: ما ذهب من أزواج أصحاب محمَّد - ﷺ - إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتِهِنَّ، وليُمْسِكُوهُنَّ، وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب النبي - ﷺ - فمثل ذلك. قال ابن العربي: كان هذا حكم الله مخصوصًا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع الأمة.
[الطبري (٢٢/ ٥٨٦)، القرطبى (١٨/ ٦٨)].
(٦) (أبو) ليست في الأصل.


الصفحة التالية
Icon