كلّ أحد في جميع عمره مرّة.
وإنّما قال: ﴿وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ ليعلموا (١) أنّه قبلتهم بالمدينة وبغيرها من البلاد، لا قبلة لهم غيره (٢).
وإنّما لم يقل (٣): فولّوا وجوهكم إليه، لرفع المشقّة إذ لو قال كذلك لوجب على الرجل أن يستقبله استقبالا لو سار على وجهه لصادف عين القبلة، فهذا أمر عسير (٤).
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:﴾ علماء اليهود، تواطؤوا ولبسوا الأمر على غيرهم، وهم يعلمون أنّ التحويل إلى الكعبة حقّ من ربّهم لما قرؤوها في كتابهم (٥).
وقيل: الهاء (٦) راجعة إلى المسجد الحرام؛ لأنّهم يعلمون فضيلته ويعرفون (٧) بها.
واللام في قوله: ﴿لَيَعْلَمُونَ﴾ (٨) للتأكيد والقسم.
١٤٥ - ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ:﴾ لمّا قالت اليهود والنصارى: ﴿ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ فأنزل الله جوابا محتملا في قوله: ﴿قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١٤٢] أردفه قوله: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ﴾ (٩)، فآيس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن اتّباعهم، وأمّنه من نسخ طارئ يردّه إلى قبلتهم، وقطع المجادلة بينه وبينهم (١٠).
ثمّ قال: ﴿وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ؛﴾ لأنّهم خربوا البيت المقدس، وخفي مكان الصخرة، فتفرّقوا لخفائه (١١). وقد أعرض بعضهم عنها وتوجّه إلى المشرق، وتشتّتت أهواؤهم، وتساووا في الضّلالة والغواية، فأخبر الله عن حالهم، وحذّر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن اتّباعهم (١٢). وإنّما حذّره مع كونه معصوما ليبقى مكلّفا مثابا، فلا يكون استبقاء منه إلجاء واضطرارا، كما قال في
_________
(١) في ع وب: لتعلموا، وهو تصحيف.
(٢) ينظر: تفسير الطبري ٢/ ٣٣، ومجمع البيان ١/ ٤٢٣، وتفسير القرطبي ٢/ ١٦٨.
(٣) ساقطة من ع.
(٤) ينظر: أحكام القرآن للجصاص ١/ ١١٢، والتفسير الكبير ٤/ ١١٤ - ١١٦، وتفسير القرطبي ٢/ ١٦٠.
(٥) ينظر: الكشاف ١/ ٢٠٣، ومجمع البيان ١/ ٤٢٣، وتفسير القرطبي ٢/ ١٦١.
(٦) في قوله: (أنّه) في الآية نفسها: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ.
(٧) في ك: ويعترفون. وينظر: الوجيز ١/ ١٣٧، والبحر المحيط ١/ ٦٠٤.
(٨) في ك وع: (ليكتمون).
(٩) مكانها في ع: اتبعت.
(١٠) ينظر: الكشاف ١/ ٢٠٣، وتفسير النسفي ١/ ٧٧.
(١١) في ب: بخفائه.
(١٢) ينظر: تفسير الطبري ٢/ ٣٥، والبيضاوي ١/ ٤٢٣.