واتّخذ أصناما على أسمائها، ثمّ ادّعى (١) الرّبوبيّة لنفسه على أحد الأوجه الثلاثة: إمّا على وجه المخاريق والنيرنجات، وإمّا على وجه ما رزق من الغلبة والقهر واستعباد النار واحتواء الممالك، وإمّا على وجه رأي لنفسه في قضيّة أحكام المنجّمين من العلوّ في الأرض، والوجه الأوّل أظهر لوقاحته وارتكابه بقوله: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ وكان قد اتفق له ظنّ بخروج (٢) (٥٧ و) إبراهيم عليه السّلام إمّا من جهة أخبار الأنبياء المتقدّمة، وإمّا من جهة الأراجيف والأوهام، وإمّا من جهة أحكام المنجّمين، فكاد يقطع (٣) النّسل لذلك، وأبى الله إلا إتمام نوره، والقصّة طويلة (٤).
فلمّا بعثه الله إليه دعاه إلى ربّه تعالى فأنكر عليه وسأله: من ربّك؟ قال: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ،﴾ فلبّس أمره نمرود على النّاس وقال: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ ودعا رجلين من حبسه استوجبا القتل في حكمه فقتل أحدهما وأطلق الآخر وقال: أمتّ هذا وأحييت هذا ليوهم الناس أنّ إبراهيم كان يعنيه، أو ليوهمهم أنّ إبراهيم كان يجادله فانقطع بالمنع أو نحوه، فلمّا علم إبراهيم (٥) ذلك منه جادله أيضا وتحدّاه إلى أن يأتي بالشمس من المغرب معارضة فبهت (٦). وكان عجزه عن الفعل دلالة على كذبه، وعجزه عن الجواب معجزة لإبراهيم عليه السّلام حيث لم يقل: أنا الآتي بها من المشرق (٧)، أو لا أسلّم أنّ ربّك الآتي بها من المشرق، أو أيّة دلالة على الرّبوبيّة في الإتيان بها من المشرق (٨)؟ وإنّما جادله إبراهيم بهذه النّكتة الثانية ولم يجادله بحقيقة الإحياء والإماتة؛ لأنّ هذه الثانية كانت أقرب إلى أفهام المستمعين حولهما (٩)، وقيل: جادله بالنّكتة الأولى وأظهر تمويهه (١٠) وأخذه بالمجاز وأقام الحجّة بتلك النّكتة ثمّ أتى بالنّكتة (١١) الثانية بعد الاستفتاء (١٢) إلا أنّ الله أوجز القصّة (١٣)، والأصحّ أنّه لم يكن يجادل أوّلا وإنّما ذهب نمرود إلى الجدال.
_________
(١) بعدها في ب: الإلهية.
(٢) في ب: خروج.
(٣) في ب: يقع، والطاء ساقطة.
(٤) ينظر: تفسير الطبري ٣/ ٣٦ - ٣٩.
(٥) ليس في ب.
(٦) ينظر: تفسير الطبري ٣/ ٣٨ - ٣٩، وتفسير القرآن الكريم ١/ ٦٩٧ - ٦٩٨، وتفسير البغوي ١/ ٢٤٢.
(٧) النسخ الأربع: المغرب، والسّياق يقتضي ما أثبت.
(٨) ينظر: معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣٤١، وتفسير البغوي ١/ ٢٤٢.
(٩) ينظر: معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣٤١، وتفسير القرآن الكريم ١/ ٦٩٨ - ٦٩٩.
(١٠) في ب: تمويه، والهاء الثانية ساقطة، وبعدها: بالمجاوز، بدل (بالمجاز)، والواو مقحمة.
(١١) (ثم أتى بالنكتة) ساقطة من ب.
(١٢) في ب: الاستلقاء.
(١٣) ينظر: تفسير القرطبي ٣/ ٢٨٦، والبحر المحيط ٢/ ٣٠٠.


الصفحة التالية
Icon